من قال؛ حنجرة، قال؛ صوتا، والصوت الشجي له قيمته، كونه هبة من هبات المولى يمنحها لمن يشاء ويختص بها من يشاء، هي هدية جميلة قد تعطى للبعض ويحرم منها الكثيرون ليعوضوا بمواهب أخرى غيرها .. المعروف عن الجزائر أنها بلد العراقة والأصالة، بلد الأصوات الجميلة وعمالقة الفن الخالدين، وإن رحل أغلبهم تاركين وراءهم ذلك الكنز الثمين الذي لا يقدر بثمن، إلا أن الجزائر لا تزال ولديها من الأصوات ما يجعلها على رأس قمة الدول العربية التي تزخر بالحناجر القوية والدافئة، ففي كل منطقة من مناطق هذا البلد الحبيب نجد كوكبة من خيرة الفنانين الكهول والشباب الذين هم في أوج عطائهم، والجميل عندنا أن لكل ولاية من ولاياتنا نجومها، لكن للأسف لا تستطيع الانتشار بسبب قلة الاهتمام بها. ففي الشمال كما في الجنوب، وفي الغرب كما في الشرق، هناك أصوات طربية أكثر من رائعة، لكنها مهمشة! هناك من الفنانين من اعتزل ومنهم من لم يتحمل التهميش وأصر على البقاء في وسط فني لا يعطي للحنجرة الفنية قيمتها، وسط بات للأسف يتبنى كل من هب ودب، مقصيا الأصوات التي تستحق بالفعل الدعم والتشجيع والتكريم، فكم من فنانين لايزالون على قيد الحياة، أثروا الساحة بما قدموه من أعمال هادفة نقية، بأصواتهم الطربية، هي أعمال قيّمة تخزّن في الأرشيف إلى غاية وفاتهم، يومها فقط تعرض، ويهمل الكثير منها ولا يعطى أي قيمة معنوية أو مادية... فالفنان كلّ متكامل، لكن صوته هو أساس بنائه، فمن لا صوت له لا وجود له، ووجود الصوت يعني وجود موهبة تصقل بعد سنوات من الدعم والتشجيع والخبرة في مجال الفن الغنائي، هذا المجال الذي فتح أبوابه للأسف لأصوات نشاز، مهملا بذلك قيمة الحنجرة...