أبت القصبة إلاّ أن تنزع فستانها الأبيض الذي زفّت به وأصبحت عروسا للمتوسط، لترتدي أثوابا بمختلف الألوان وهذا في معرض الفنان عبد الرحمن كحلان برواق باية (قصر الثقافة) تحت عنوان ”أبواب القصبة الأبدية”، والذي تتواصل فعالياته إلى غاية الثالث من ماي المقبل. وزادت فساتين القصبة متنوّعة الألوان والمواد، رونقا للمحروسة التي ما تزال شامخة رغم ما أصابها من وهن، واستعان الفنان عبد الرحمن كحلان بعدّة تقنيات للتعبير عن عشقه لهذه المدينة، وكذا عن احترامه الشديد للأمير عبد القادر وتجسّد في لوحة ومنحوتة. واختار الفنان المنحدر من عائلة فنية (جده طرّاز على الجلد وأخته أستاذة رسم)، تقنية الرسم المائي لتعدّد ألوانها وعمقها الدفين وكذا الأركيليك والتقنية مختلطة، كما رسم لوحات عن الطبيعة الميتة بعفوية بعيدا عن المعايير المتعارف عليها في هذا التيار الفني، ورسم عبد الرحمن المنمنمات واختار لأخرى نفس التقنية إلا أنه حرّرها من التنظيم بحيث رسم أشكالا صغيرة غير متساوية، وهكذا قام الفنان العصامي ابن المسيلة، بالتنقّل بين عدّة تقنيات وهو المعروف أنّه مارس أيضا الرسم على الزجاج والتزيين على الخشب واللصق والرسم على ورق مطبوع وغيرها وهذا لحبه لهذه الفنون وكذا لخبرته التي اكتسبها من سفرياته الكثيرة والتي سمحت له بالنهل من مختلف الثقافات ومزجها بثقافة الأم. وقدّم عبد رحمن لوحة ”الجزائر الساحرة” التي تظهر واجهة القصبة وما يميّزها، ألوانها المختلفة من وردي، برتقالي، أزرق، أخضر، بنفسجي وأصفر وفي أسفلها رسم البحر بزرقته المعهودة وهذا بتقنية الأركيليك، أمّا بتقنية الأكوارال فرسم لوحة ”القصبة وزرابيها” ورسم فيها أيضا البنايات متعدّدة الألوان والأشكال ومجموعة من الزرابي وكأنّها تتدلى من على رأس اللوحة. ورسم الفنان في هذا الموضوع وبنفس التقنية، لوحات أخرى مثل لوحة ”دويرات القصبة”، ”قصبتي بالألوان” و"القصبة وزرابيها2”، أما لوحة ”ليلة رمضان في القصبة” فرسم الفنان سماءها بالبرتقالي ولوّن أرضها بالأزرق نسبة للبحر، أمّا البنايات فأضفى عليها اللون المذهب فبدت وكأنّها عروس وضعت حليها احتفالا بالشهر العظيم. واختار كحلان، تقنية الرسم على الزجاج ليقدّم لوحة ”القصبة” وقسّمها إلى ثلاثة أجزاء بالطول، كلّ جزء منها يبرز جمال القصبة واستعمل الفنان فيها الألوان الحارة التي أبرزت اشتعال المدينة بالجمال، أما لوحة ”الباب الخالد” فرسم فيها بنايات يعلوها باب من أبواب القصبة المعروفة. ويعرض الفنان الذي يقطن حاليا بفرنسا، أكثر من خمسين لوحة في هذه الفعاليات ومن بينها أيضا ثلاث لوحات لم يشأ أن يعطي لها عنوانا وتضمّ كلّ واحدة رسمات صغيرة، وكأنّها تصغير للوحات الأخرى وتدور مواضيعها عن بنايات القصبة وأبوابها وغيرها. وعن أبواب القصبة، رسم الفنان عدّة لوحات مثل لوحة ”باب الجديد”، ”الأبواب الثلاثة للجزائر”، ”باب السلطان”، ”باب عزيزة”، ”باب عزون”، ”باب البحر” و"باب الدزاير”، وأبدع الفنان في لوحة غلب عليها اللون الأزرق بعنوان ”مئذنة سيدي رمضان”، أما لوحة ”الجزائر المحروسة” فوضع فيها الفنان إطارا مذهّبا، بينما توسّطت البنايات زرقة السماء والبحر، كما رسم لوحة ”أبواب الجزائر الثمانية”. بالمقابل، انتقل الفنان إلى أسلوب فني آخر يتمثّل في المنمنمات في لوحة ”كاليغرافيا”، ورسم أيضا لوحة ”اوشام”، بينما جاءت لوحة ”الأناقة” في قمة الأناقة ورسم فيها الفنان طاووسا متبخترا بريشه الجميل سابحا في فضاء مذهب رائع. وأحيا الفنان، الطبيعة الميتة من خلال لوحة بتقنية الاركيليك فجاءت مزخرفة تتوسّطها مزهرية، ودائما بهذا الأسلوب أبدع لوحة تغمرها الأزهار لتشكّل بصمة حقيقية له، ودائما عن الأزهار رسم عبد الرحمن لوحة بعنوان ”أزهار الشر” وتظهر أزهارا متناسقة وجميلة، وكأنّها تعني المظهر الجميل والباطن الشرير. وجاء هذا المعرض أيضا تكريما للأمير عبد القادر، وفي هذا السياق، رسم كحلان لوحة ”الأمير عبد القادر” ورسم فيها هذه الشخصية داخل إطار مزخرف، كما عرض بهذه المناسبة أيضا منحوتة عن النصف العلوي لجسد الأمير. وعرض عبد الرحمن، صحنا مصنوعا من الفخار تتوسّطه بنايات القصبة، كما قدّم أيضا أبياتا شعرية في لوحات صغيرة، مثل ”الجزائر أنت حية أكثر من أي وقت مضى، أنت أكثر من رمز، أنت الحياة، أنت الحرية، أنت الجزائر”، ووضع بيتا شعريا لابن الرومي في لوحة وهو ”ولي وطن أليت إلا أبيعه وألا أرى غيري له الدهر مالكا، فقد ألفته النفس حتى كأنه لها جسد إن بان غودرت هالكا”، إضافة إلى مقتطفات من عبارات لألبر كامو وأخرى لفكتور هيغو.