لم تخش الكاتبة هاجر بالي، أن تسبح في أعماق النفس البشرية، وأن تخرج منها ما هو سيء وهذا في مجموعتها القصصية "متأخر جدا" التي قدمتها أول أمس بمقر دار الشهاب. أكدت الكاتبة أن كل إنسان يحمل الخير والشر فيه، بل انه يضم وحشا في أعماقه قد يظهر للملأ في حال شعوره بمعاناة أو ضيق، مضيفة أن الإنسان أيضا يحمل بذرة جنون وقد يخرج عن صوابه في حال تعرضه لضغط شديد. وتحدثت الكاتبة عن عملها القصصي الأول بعد أن كتبت في بادئ مسيرتها الأدبية نصوصا مسرحية بعنوان: "حلم وطيران عصفور"، وقالت إنه يضم ثماني قصص عن الإنسان في حالته الطبيعية، مذكرة أن هذا الأخير يظهر إلى المجتمع بوجه غير ذلك الذي يخفيه في أعماق نفسيته. وأجابت هاجر على أسئلة سلمى هلال، إحدى العناصر المؤسسة لدار البرزخ التي صدرت عنها المجموعة القصصية رغم خجلها الشديد، حيث أنها انتقت طريق الكتابة المقترن بمسار التدريس بجامعة باب الزوار (مادة الرياضيات). والبداية بقصتين لشخصيتين تعيشان عزلة قاتلة، قالت عنهما سلمى، أنهما تشبهان بعضهما حيث أنه في القصة الأولى بعنوان: "البذرة الصغيرة للبطيخ" نجد امرأة بيت تعاني من الوحدة فزوجها لم يعد يفهمها وابناها يهتمان بأمورهما فتجد نفسها تحّدث صرصورا صغيرا وجدته بحمامها. أما الشخصية الثانية في قصة: "فرس النبي" فتناولت فيها الكاتبة شخصية أرمل عجوز يعيش وحدة قاتلة بعد رحيل زوجته إلا انه يجد بريقا للحياة حينما يلتقي بشابة في معرض للفن التشكيلي، يتعرّف عليها ويصطاد الفرص لكي يراها، وفي الأخير يدرك أن هذا الشوق مصدره أن هذه الشابة التي لا يعرف اسمها تّذكره بزوجته هيلين، التي لن يتأخر الوقت كثيرا للقائها في العالم الآخر. وأبرزت الكاتبة مدى جنون الشخصية الأولى التي تحادث صرصورا، وكذا مدى قدرة الشخصية الثانية في إظهار القبيح منها حينما تمرض ويلجأ إليها أطفالها، حيث تعاملهم بفظاظة وكأنها تريد أن تظهر أنها قادرة في التأثير على الآخرين أي أنها حية. واعتبرت هاجر، أن القبيح في أعماقنا لا يمكن أن نجهله، وان شخصية الإنسان معقدة فعلا ولا يمكن في كل الأحوال تبسيطها، مضيفة أنها تبحث عن الحقيقة وان هذه الأخيرة لا تختفي خلف الطيبة فقط، كما أشارت أنها لا تريد أن تحدد الأمكنة في قصصها باعتبار أن ما يهمها تناول الشخصيات التي - حسبها تعيش نفس المشاغل سواء في الجزائر أو في الصين أو في دول أمريكا اللاتينية أو في أي دولة أخرى. أما عن القصتين الأخريين وهما: "الدعسوقة" و"الكلاب الضالة" فقالت عنهما سلمى، من البرزخ أنهما واقعيتان تحكيان عن نهاية تعيسة لحلم طفل في القصة الأولى، ولقصة عشق في القصة الثانية، إلا أن هاجر لم توافق على هذا القول، معتبرة أنه لا توجد نهاية حزينة في الحياة لأن الحياة تحمل المسرات والمشاكل. وأضافت الكاتبة أن مهدي، في القصة الأولى لم يحقق حلمه في الالتحاق بفريق كرة القدم رغم موهبته وخاصة أنه كان يعاني من هجران والده للبيت العائلي، إلا أن هذا لا يعني انه لن يبلغ غايته لاحقا، أما عن قصة العشق التي انتهت فهي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، كما أن النهاية كانت طبيعية لأن مليكة وسيف مختلفان جدا. ونفت هاجر تعاسة قصصها معتبرة أن الحياة لا تحمل السعادة فقط، ومع ذلك فقد شعرت بغبطة كبيرة أثناء كتباتها لقصة: "جورب في اليد" وهي عن شاعر مشكوك في موهبته يُتهم بقتل زوجته، وتتسارع الأحداث في قالب تهكمي قالت عنه الكاتبة أنها انصهرت فيه بكل فرح فأظهرت أنيابها وهي التي دائما وُصفت بالطيبة، فكانت الفرصة أن تكون شريرة، وأن تنال من المحامي والشرطي المحرر والصحفي والقاضي، والشاعر وكل من أصابه الغرور ويدّعي التفوق وهو في الحقيقة بعيد بعد السماء عن الأرض من ذلك، وهو ما أسعدها فعلا. وعن قصتي "حينما تحل المعاناة" و"متأخر جدا "، قالت عنهما سلمى أنهما تنتميان إلى الأسلوب التجريدي من حيث أن الشخصيات غير واضحة، ففي القصة الأولى ترفض شخصية مغادرة المدينة التي توشك أن تغرق في غمار الحرب، أما الثانية فهي عن رجل يُطلب منه العودة إلى بلد هرب منه لأن حاكمها الطاغية يوشك أن يفنى ويتمنى رؤيته قبل الرحيل. وقالت هاجر، إن هناك طابعا سياسيا لهاتين القصتين فالأولى كتبتها متأثرة بما حدث في بغداد، حينما قصفت متسائلة كيف كان موقف سكانها مما حدث، أما الثانية فأرادت أن تسلط الضوء على كفاح رجل من أجل مبادئه إلا انه قد يحين زمن ويتوقف عن ذلك ربما تعبا أو خوفا مقنعا نفسه أن للكفاح وقتا محددا، وانه لن يمضي حياته في هذا الجهد. وتضم هذه المجموعة القصصية أيضا قصة: "لا يهم الكذب" وهي عن امرأة مريضة جدا تطلب من زوجها أن يعيد عصفور حديث الولادة إلى العش الذي سقط منه وربطت حياتها بحياته، ويحقق الزوج هذا المطلب إلا أن العصفور يموت ومع ذلك يخبر زوجته أن الأمور جرت بخير.