في الثلاثين من شهر جوان توفي أحد أعمدة الموسيقى والطرب الأندلسي الأستاذ محمد بن علي سفينجة (1844 -1908 )، ذلك الذي كان يطلق عليه لقب "المعّلم" لتفوّقه في أداء الأندلسي غناء وموسيقى، كان عازفا مميّزا على آلة الكويترة ومن الفنانين العرب الأوائل الذين سجّلوا وصلاتهم على أسطوانات، وما يزال وسيظل فنه يقدم من طرف فنانيّ الأندلسي الجزائري. وبهذه المناسبة تحدث الفنان سيد أحمد سري في الندوة الصحفية التي نظّمتها أمس المكتبة الوطنية في الذكرى المئوية لرحيل الفنان محمد بن علي سفينجة، عن صعوبة إيجاد معلومات عن الفنانين الجزائريين القدامى مضيفا أنّ هذا الأمر أدّى إلى نسيان وتجاهل العديد ممّن قدّموا الكثير للثقافة والفن الجزائريين ومن بينهم الفنان سفينجة الذي كان أحد إن لم يكن هو عمود الفن الأندلسي بالجزائر. وقال سري أنّ سفينجة كان تلميذ الفنان عبد الرحمن منمش، الذي توفي عام 1891، وكان له العديد من الرفقاء الذين كانوا يذهبون معه أينما حلّ ومنهم تلميذه اليهودي إدموند يافيل الذي سجّل العديد من وصلاته ليكون بذلك سفينجة من أوائل الموسيقيين العرب الذين سجّلوا وصلاتهم وأغانيهم على إسطوانات، كما قام يافيل أيضا بجمع النصوص التي تضمّ نوبات سفينجة في كتاب تحت عنوان" يافيل" وهذا سنة 1904. وذكر المتحدّث أنّ سفينجة كوّن فنانين جزائريين، عربا ويهود من بينهم صاحب الصوت الرائع عبد الرحمن سعيدي وموزينز اليهودي الذي كان يؤدي مدائح دينية يشيد فيها بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم ومحمد بن فتاحي الذي كان رئيس الجمعية الموسيقية الجزائرية سنة 1930 (التي عرفت فيما بعد بالجمعية الجزائرية الموصلية) والذي حافظ بشكل ملحوظ على التراث الأندلسي، أمّا الذين كانوا يعشقون فنه ولا يستطيعون أداءه بحكم ظروف عملهم فهم أيضا بأعداد لا حصر لها وفي مقدّمتهم مفتي العاصمة آنذاك بن قندورة. سري الذي أكّد أنّ السلسلة الأندلسية التي تبدأ من المنمش فسفينجة ومن ثم تفاحي إلى الفخارجي وبعده سري فالفنانين الشباب الذين تحوّلوا بدورهم إلى أساتذة كإبراهيم الذي درّس في مدينة القليعة وكان له دور كبير في تأسيس ثلاث جمعيات للموسيقى الأندلسية فيها، لم تنقطع ولن تنقطع فالتراث الأندلسي حي إلى الأبد، بمقابل ذلك ذكر الصعوبات الكبيرة التي تتخبّط فيها الجمعيات الموسيقية حيث تدرّس الموسيقى الأندلسية مطالبا السلطات المعنية بالتحرّك لأجل هذا الفن، وفي هذا السياق أشار إلى مشروع إنشاء فيدرالية تضم جمعيات الموسيقى الكلاسيكية الذي لم ير النور رغم أنّه طرح في ملتقى بتيبازة منذ عامين. وجرى أثناء النقاش الذي أعقب الندوة حديث مطوّل حول ضرورة كتابة التاريخ الثقافي الجزائري حتى لا يضيع منا أكثر مما ضاع لحد الآن، خاصة أنّ الجزائر أصبحت تضم وسائل وتجهيزات مهمة للتدوين والحفظ على مختلف الوسائط.