اعتبر الناقد محمد غرناط الرواية كجنس أدبي يتألف من عناصر فنية ومضمونية تكون عالمها التخييلي، وإذا كانت قيمتها الجمالية تتحدد بأبعاد وطرائق بناء هذه العناصر فإنها من ناحية أخرى تخضع بمجرد الانتهاء من كتابتها وطبعها، ثم توزيعها بعد ذلك لمنطق السوق، أي أنها تتحول إلى سلعة تتحكم فيها قيم التبادل مثل أي كتاب مطبوع.وقصة الكتاب المطبوع كما يقول ميشال بوتور' قد تطورت إلى شكل من الاقتصاد الاستهلاكي، وأننا لكي نستطيع إنتاج هذه الأشياء وجب علينا اعتبارها مواد استهلاكية شبيهة بالمواد الغذائية...' ومن تم فإن الرواية كأي كتاب آخر، بعد عرضها للبيع تصبح مادة استهلاكية، ولهذا تتطلب استراتيجية معينة تحقق لها الرواج التجاري. و حسبه لابد هنا من التأكيد على أن الهدف من ذلك، نظرا لطبيعة المادة، هو تنشيط عملية القراءة.فمن المعلوم أنه منذ أن أعلن ر. بارت عن موت المؤلف وميلاد القارئ، رفع من شأن هذا الأخير، فاتسعت بذلك مجالات الدراسة الأدبية بخصوص كل مواد القراءة، أي كل ما يتعلق بالكتاب بما في ذلك نظام النشر والتوزيع وشكل المطبوع. ويكتسي هذا الأخير أهمية خاصة تتجلى في نظام الطباعة الذي يسعى الناشر إلى أن يحقق له أقصى قدر ممكن من الجودة لتبدأ بعد ذلك عملية التسويق ، وفي هذا الاطار يعتمد الناشر استراتيجية مدروسة لرواج الكتاب. وقد اخترنا في هذا العرض الحديث عن جزء من هذه الاستراتيجية في مجال الأدب الروائي ويتمثل في غلاف الرواية باعتباره الواجهة الأولى التي تشد انتباه القارئ، و نركز تحديدا على كلمة ظهر الغلاف أو الصفحة الرابعة منه، علما بأن مواد الغلاف تشتمل على عناصر أخرى لا تقل أهمية في مقدمتها العنوان، والخطوط والرسوم والألوان وغيرها...وكلها من وجهة نظر تجارية هي أدوات للتسويق.
و الرسالة الدعائية في هذا النطاق تتسع لآليات مختلفة مثل الخدمات التي تقدمها الصحافة المكتوبة طالما أن الترويج للكتاب في وسائل الإعلام المسموعة أو المرئية، أو في اللوحات الاعلانية غير مسموح به قانونا. ولعل من أكثر هذه الآليات أثرا ضمن آليات أخرى مختلفة، الكلمة التي تحملها الصفحة الرابعة من الغلاف، وهي ذات قيمة دعائية واضحة، ولذلك فإن بعض الكتاب الطليعيين مثل بيكت ودورا، ودور نشر أيضا مثل Minuit الفرنسية لم يقبلوا بها. وما يلفت الانتباه في هذه الكلمة بصورة شاملة أنها تتميز بالإيجاز والتركيز لتحقيق التأثير السريع بإبراز أهم وأدق العلامات التي تحقق الهدف التجاري. وهكذا يعتبر برنار موراليس أن الصفحة الأخيرة من الغلاف تشبه المنشور الدعائي 'لأنها تسعى إلى تقديم مجمل الأسباب التي تشجع على شراء الكتاب وإلى التشديد على أن الكتاب يمكن أن يهم فئات عديدة من القراء'. إن كلمة الغلاف، كما يبدو، لها أهمية كبيرة في ترويج الرواية، وهي لا تكاد تختلف عن المقدمة التي اعتبرها ه. ميتران خطابا ' ليس رغبة في خلق لغة جدية، أو ميتالغة، وإنما لأنها تتمتع بمميزات لسانية خاصة'. ولذلك فإن كلمة ظهر الغلاف، في بعض صورها الدالة، هي أيضا خطاب له خصائص لغوية ودلالية تؤطرها حوافز محددة لإبلاغ رسالة إلى القارئ. وهي أيضا بمثابة شهادة لناقد، أو كاتب، أو ناشر، وقد تكون لشخصية اعتبارية معروفة، وهذا يزيد في فعاليتها وقدرتها على التأثير كحالة علال الفاسي في 'النار والاختيار' لخناثة بنونة وحالة أحمد بنبلة في 'عابر سرير' لأحلام مستغانمي.
والجدير بالذكر أن الأهمية الحقيقية لكلمة ظهر الغلاف تأتي من تنوع المعلومات وتقديمها بصورة مختزلة ودالة كما في 'بحر الصمت' لياسمينة صالح حيث نقرأ إشارات مكثفة على الشكل التالي: - إن الرواية حائزة على جائزة مالك حداد (2001-2002) - إن الجائزة تأسست بمبادرة من الكاتبة المعروفة أحلام مستغانمي. - إن الجائزة تأسست تكريما لذكرى مالك حداد وتشجيعا لكتاب اللغة العربية الصامدين بالجزائر. - مقتطف قصير من تقرير اللجنة المانحة للجائزة. هذه العناصر تشكل دون أدنى شك مصدرا قويا للثقة بالنسبة للقارئ والجمهور، وتهيء لاستقبال الرسالة الموجهة إليه، وبالتالي فإنها تهيء شروط الرواج التجاري. وهذه الاشارات، وإن بصورة مختلفة، نجدها في 'الطيبون ' لربيع مبارك حيث نقرأ على غلاف الرواية أنها فازت بجائزة المغرب العربي للرواية والقصة القصيرة (1972)، وكلمة لعضو لجنة التحكيم توفيق بكار تلخص مزايا العمل من حيث الموضوع والصياغة الفنية وإعجاب اللجنة، ثم يخاطب القارئ (المفترض) لاستمالته بالقول إن شخصيات القصة كائنات حية يمكن للقارئ أن يتعاطف معها.وقد ينضاف إلى ذكر الجائزة وكلمة الغلاف، عنصر آخر يرفع من القيمة التجارية للمنتوج، وهو التعريف بالكاتب. وهذا ما نجده مثلا في ' ليلة عرس' ليوسف أبوريه، حيث نقرأ تعريفا موجزا لحياة الكاتب، مؤلفاته، والمناصب التي تولاها، هذا إضافة إلى عناصر أخرى داعمة وفي مقدمتها فوز الرواية بجائزة نجيب محفوظ (2005). كل هذا يقوي لدى القارئ الايمان بأهمية وجدوى الرواية ويجعل من الغلاف مدخلا حقيقيا للتسويق.ولابد هنا من الاشارة إلى أن كلمة ظهر الغلاف قد تأتي أقل اختصارا، إما موجهة من قبل كاتب أديب مثل كلمة أنسي الحاج على ظهر غلاف' حكاية زهرة' لحنان الشيخ مقتصرا فيها على بطلة الرواية وما فيها من ملامح الاثارة، وكما نجد أيضا في 'الأبله والمنسية وياسمين' للميلودي شغموم حيث لا تتجاوز عبارتين تبرزان موهبة الكاتب والقيمة الفنية للرواية، إلى جانب مقطع سردي قصير من الرواية، وهو تقليد جرت به العادة في الأعمال الحكائية بصورة عامة. ومثل هذه الكلمة، الأقل اختصارا، تحقق بدورها ما يسعى إليه الناشر في الاستراتيجية التي يختارها لترويج العمل الروائي. هذه العناصر التي قدمنا، وغيرها، تعتبر من الحوافز الأساسية لترويج الرواية، ومن تم لقراءتها، أكثر من هذا، أن العمل الروائي إذا حظي بالقبول من لدن النقاد، وحظي بالرواج المرغوب فيه، فإن الناشر يجد كل المبررات الموضوعية لإعادة نشره، ولنا مثال في' عمارة يعقوبيان' لعلاء الأسواني التي حققت، بما رافقها من متابعات نقدية نجاحا تجاريا واسعا، فضلا عن ترجمتها، وهذا عامل مهم، إلى لغات أخرى، فأعيد طبعها ما يربو على عشر مرات. وقد حققت' ذاكرة الجسد' لأحلام مستغانمي أكثر من ضعف هذا العدد من الطبعات. ومع إعادة الطبع يزداد الاهتمام بالعمل الروائي من حيث شكل الغلاف لتقوية عناصر الاثارة ورغبة القراءة.
و في ختام هذا العرض نتساءل بكل ما يلزم من وضوح ومسؤولية، وقد توفرت إمكانيات هائلة في المجال التقني للكتاب إن كان الغلاف بكل مكوناته الجمالية يحقق للرواية الرواج التجاري الذي يسهم في تنشيط عملية القراءة بصورة معقولة. أظن أن هناك حقيقة لا يختلف حولها اثنان، وهي أن نسبة القراءة عرفت تراجعا ملحوظا، وأن الانتاج الروائي، والعمل الابداعي عموما، تقلصت نسبة انتشاره وتداوله. وأرى في هذا السياق أن هذا لا يعود فقط لعوامل كالقدرة الشرائية أو منافسة الصورة وما إلى ذلك، ولكنه يعود بالأساس، دون التقليل من أهمية العوامل المذكورة، إلى تمثلات القارئ حول الرواية، ذلك أنها بحاجة إلى عمليات نقدية تهدف صوغ مفهوم للرواية في إطار تصور يبعد كل المقولات الخاطئة التي لحقت بهذا الجنس الأدبي، ويؤكد على وظيفتها في مستوياتها اللغوية والفنية والاجتماعية، وهذا يساعد على مواجهة عزلة الرواية، وعزلة الكاتب على حد سواء ، ويوفر شروط التواصل المنتج، وبالتالي ينعكس على البعد النفعي، أي ما يخص التسويق وتوسيع مجال البيع. ولا بد هنا أن نتذكر أن الحركة الرومانسية التي حققت في وقتها رواجا تجاريا كبيرا لأنها حددت لنفسها رسالة تجسد هواجس الفرد في صراعاته الاجتماعية المختلفة، وأن الرواية الواقعية حددت بدورها مبادئ وقيما أدبية واجتماعية تنطلق كلها من الواقع، فاكتسحت السوق وأقصت الشعر الذي كانت له السيادة في الدراسات الأدبية الكلاسيكية. وعلينا أن نتذكر أيضا الرواية البوليسية في فرنسا ونتساءل عن عوامل انتشارها. يجيبنا موراليس جوابا مقنعا يقول فيه إن هذه المسألة لا يمكن النظر إليها في بعدها الكمي فحسب، بل أيضا في 'اهتمامات متجذرة في القراء وتكشف بصورة أنفذ من كثير من أنواع النصوص الأدبية أهمية موقع القارئ في تلقي الكتاب وتكوينه' ومن هنا يبدو من الضروري تحديد رسالة واضحة للأدب الروائي تأخذ بعين الاعتبار اهتمامات القارئ ومتطلبات الواقع ليتكامل الفني مع النفعي والدعائي، ويتم إقامة التوازن الطبيعي بين عملية الانتاج والتلقي والتسويق التجاري.