مقتل السفير الأمريكي في بنغازي على أيدي بعض ثوار النيتو على خلفية الاحتجاج ضد صدور الفلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم، غطى على حدثين بارزين: إرسال بارجتين أمريكيتين وقوات مارينز إلى ليبيا، والتوقيع على وثيقة للحوار الإستراتيجي بين الولاياتالمتحدة والمغرب، ثاني بلد في الشرق الأوسط بعد إسرائيل يرتبط بحوار إستراتيجي مع الولاياتالمتحدة. لم يكن من الصدفة أن يختار ذلك القس الأمريكي المعتوه الذكرى الحادية عشر لأحداث 11 سبتمبر ليفجر قنبلة استفزازية في وجه عموم المسلمين، ويكون اليد التي قتلت السفير الأمريكي في ليبيا، حتى وإن كان بعض ثوار النيتو هم من نفذوا العملية بالوكالة. وليس صحيحا أن الإدارة الأمريكية تكون قد أخذت على حين غرة و أنها لم تكن على علم بما كان يحضر له ذلك القس المختص في صناعة الإهانات للمسلمين وق سبق له أن هدد ثم نفذ قرار حرق المصحف الشريف على مسمع ومرأى من السلطات الأمريكية، إلا أنه اختار هذه المرة شركاء له من أقباط مصر من المهجر ليضيف لغما آخر للغم الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم. الاستفزاز الرخيص خرق هذه المرة كل الخطوط الحمراء، حتى أنه لا يسع مسلم عاقل راشد أن يكمل مشاهدة اللقطات البذيئة الرخيصة، التي صورت سيد العالمين وإمام الرسل، وخاتم الأنبياء في أبشع صور فاقت كل ما صدر عن الملاعين من أعداء الإسلام من اليهود والنصارى، وهو إلى ذلك اعتمد التحريف والتزوير والإساءة التي ترتد على صاحبها كيفما كانت ملته وعقيدته. غير أن الإساءة الأكبر كانت من مسؤولية الحكومة الأمريكية التي كانت على علم بمحتويات الفلم وهو يحضر، وهي تعرف جيدا هذا المعتوه والمجموعة الصغيرة من المنحرفين والمنحلين من أقباط المهجر، الأكثر حقدا على الإسلام والمسلمين من بين الغلاة من المسيحيين المتطرفين, فنشاط القس معروف لمصالح الأمن والاستخبارات الأمريكية، وهو رجل له سوابق، وما كان له ليتمادى في إنتاج هذا الفلم الآثم، لو أن العدالة الأمريكية تعاملت معه بحزم، حين ارتكب جريمة حرق المصحف الشريف وتدنيسه، ولم تكن تفتقر لحجة ولو من باب تفعيل الكثير من القوانين الأمريكية المجرمة للأفعال العنصرية، ومنها القوانين المعادية للسامية، والعنصرية، وحتى القوانين التي تضبط ممارسة ما يسمى بحرية التعبير، وهي فوق ذلك دولة موقعة على الكثير من المعاهدات الدولية التي تحرم التمييز العرقي أو الديني بما يكفل وجود كثير من القوانين التي كان بوسعها أن تلجأ إليها لو أنها أرادت وضع حد لمصل هذه الاستفزازات التي هي جريمة ثابتة حين يتعلق الأمر بالتحقير بمعتقدات الغير. فحتى الآن دفع المسلمون ثمنا لغضبتهم بمقتل أكثر من أربعة متظاهرين في اليمن على يد شرطة حكومة ثورة الربيع العربي التأمرك فيما جرح المئات في القاهرة وصنعاء، وقد لا ينتهي يوم جمعة الغضب في ربوع العالم الإسلامي حتى يتضاعف عدد الضحايا. معظم القيادات العربية والإسلامية بادرت إلى توجيه التعازي للحكومة والشعب الأمريكيين على مقتل السفير الأمريكي ومرافقيه، لكن لا أحد توجه بكلمة عزاء إلى أسر الشهداء من المحتجين المتظاهرين، ولن يلتفت إليهم أحد لأنهم ضحايا مسلمون. وفي خضم هذه الجلبة يبتعد الإعلام الغربي والعربي عن تسليط الأضواء على الجريمة الأصلية وهي إنتاج فلم أكثر من مسيء لنبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، ليتجه النقد والتجريح لسلوك المسلمين التي توصف بأوصاف تضيف إلى الإساءة الأصلية مزيدا من الإساءة، وتشتعل آلة التزوير الإعلامي المهيمنة لتصرف النظر عن ملابسات حادث تنقل السفير الأمريكي في بلد مضطرب يقع حتى الآن تحت سيطرة الميليشيات، توجهه إلى مدينة كان يعلم أنها خارج سيطرة الأمن الليبي، وهي بيد مجموعة مسلحة تدعوا نفسها بأنصار الشريعة، لها صلة قرابة بالمجموعة ذاتها التي اختطفت الدبلوماسيين الجزائريين وقامت بإعدام أحدهم دون أن يصدر أي استنكار من المجموعة الدولية أو المجموعة العربية والإسلامية. الإعلام مر أيضا مرور الكرام على خبر الوصول السريع بل المتزامن لبارجة حربية أمريكية إلى سواحل بنغازي وتوجه بارجة أمريكية ثانية تكون قد وصلت أمس فيما أعلن البنتغون إرسال قوات من المارينز بحجة تعزيز أمن السفارة الأمريكية بليبيا، وكأن وزارة الدفاع الأمريكية كانت تنتظر فقط حادث مقتل السفير للبدء في تنفيذ مخطط أعد سلفا. فالأوضاع المنفلتة في ليبيا ومنها في معظم أرجاء منطقة الصحراء الكبرى والساحل كانت تمهد لتطورات سياسية وعسكرية تخلق أجواء مناسبة لتبرير تدخل عسكري أمريكي ومن حلف النيتو بحجة حماية السفارات قد يتطور إلى دعوة رسمية تصدر عن الحكومة الليبية لقوات أمريكية وغربية للمساعدة على تفكيك المجموعات المسلحة من بقايا ثوار النيتو بعد أن انتهت مهمتهم سواء في ليبيا أو في مالي، وهي بداية لتجسيد مشروع أمريكي قديم بتشييد قاعدة دائمة للقوات الأمريكية بمنطقة الصحراء الكبرى تحت اسم أفريكوم، بل أن بعض المصادر الإعلامية كانت قد تحدثت عن بدأ أشغال بناء قاعدة عسكرية كبيرة في ليبيا سوف يمنحها قتل السفير الغطاء السياسي. ولأجل ذلك رأينا كيف أن ردة الفعل الرسمية سواء على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية أو الرئيس أوباما جاءت فاترة ومعتدلة، وألحت على أن الحادث لن يؤثر على علاقات الصداقة مع الحكومة الليبية الجديدة، وإلا فإن الولاياتالمتحدة قد سبق لها أن رجمت السودان والصومال بوابل من الصواريخ لمجرد وجود شبهة بانطلاق منفذي الاعتداء على سفارتها في كينيا من السودان أو من الصومال. الحدث الموازي الذي ينبغي لنا في الجزائر تحديدا أن نتوقف عنده هو تزامن حدث بنغازي مع حدث توقيع الولاياتالمتحدةالأمريكية والمغرب على ما سمي بالتعاون الإستراتيجي، ليكون المغرب هو أول بل عربي يفتح له مجال التعاون الإستراتيجي الذي لا يحظى به في المنطقة سوى الكيان الصهيوني، وهو اتفاق ينظم حوارات ومشاورات واسعة ومنتظمة على جميع الأصعدة السياسية والأمنية والعسكرية والدبلوماسية لا نعلم حدوده سوى أن دولا عربية أقرب إلى الولاياتالمتحدة لم تحض بمثل هذا العرض الذي حضي به المغرب مع حكومة إسلامية قادمة من أرخبيل الإسلام السياسي المتحالف جهارا مع الولاياتالمتحدة.