إذا كان هناك مفكر بعينه ارتبط اسمه بالترجمة بحكم ما بذله من جهود متواصلة على امتداد فترة طويلة من الزمن، وتركت تأثيرها على امتداد العالم العربي، فإن هذا المفكر بدون شك هو الكاتب والمفكر الكبير أ. د/ جابر عصفور الذي مازال يحتل المكانة الأولى في الوطن العربي من حيث الدفاع عن الترجمة. في هذا الصدد أثار انتباهي مقال لهذا الأخير في العدد 499 من مجلة العربي يحمل عنوان "حول المشروع القومي للترجمة" وجاء في مقدمة المقال "مهما تحدثنا عن أهمية الإبداع الذاتي أو الاستقلال الفكري، ومضينا في طريق تنمية القدرات الذاتية وبحثا لأنفسنا عن هوية خاصة نباهي بها غيرنا، فلا نتيجة فعلية يمكن أن نحققها في ذلك كله لو تجاهلنا حتمية الإنفتاح على العالم من حولنا، وضرورة معرفة أسرار تقدمه، والأخذ من منجزات هذا التقدم ما يدفعنا إلى الأمام، وينقلنا من الواقع الضرورة إلى أفق الحرية، من وهاد التخلف إلى ذرى التقدم، يفرض علينا ذلك الوعي بالهوية وعي بالغيرية، وبعني ذلك حتمية معرفة عوالم التقدم من حولنا وترجمة منجزاتها على أوسع نطاق، فالترجمة وسيلة حاسمة في تعميق علاقات التواصل مع العالم المتقدم، وفي توسيع دوائر الحوار التي تؤدي إلى امتلاك مفردات العصر ولغاته وتجسير الهوة الفاصلة بين المتقدم والمتخلف". ويضيف "وإلى أن نحقق هذه الخطوة القومية الضرورية يمكن للأجهزة الثقافية المهتمة بالترجمة في الأقطار العربية أن تضاعف من جهدها، وتصوغ فيما بينها، مشروعا متكاملا يحقق هذا البعد القومي، والخطوة الأولى في إنجازه الفعال تبدأ بالإفادة من تنوع الخبر الموزعة على امتداد الأقطار العربية". لقد كنت قبل يومين في المساء أقرأ الرسالة الكريمة التي بعثها لي المفكر حابر عطور والتي تتعلق بترجمة كتاب ARABES et INDO- EUROPEENS: les indo- Européens parlaient- ils l'arabe à l'origine) الصادر عن دار هومة للطباعة والنشر، وكم كنت سعيدا عندما انهيت قراءة الرسالة وعرفت أن الدكتور جابر عصفور بالفعل يحاول أن يتقرب أكثر إلى بلدان المغرب العربي ويفتح لهم أبواب المركز القومي للترجمة ليساهموا في النهضة العربية في هذا المجال. وبذلك يكون الدكتور جابر عصفور قد ربط المغرب العربي جغرافيا وتاريخيا وثقافيا ولغويا عكس ما يعمل السياسيون. والمعروف عن جابر عصفور أنه يبذل أقصى جهده للعناية باللغة العربية لتكون لها السيادة في جميع مجالات الحياة التعليمية والثقافية والإعلامية والسياسية، وهو يهدف في حقيقة الأمر من خلال دفاعه عن الترجمة إلى العمل على حماية التراث العربي الإسلامي الغزير في شتى مجالات العلم والمعرفة. إن حماية اللغة العربية واجبة على كل عربي مسلم من أجل نهضتها وتطويرها والحفاظ عليها من المخططات التي تسعى إلى النيل منها. ولا عجب أن نجد أديب العربية الكبير مصطفى صادق الرافعي الذي حذر من العواقب الوخيمة للحملة المسعورة على لغة القرآن الكريم تقول "ماذلت لغة شعب إلى ذل ولا انحطت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار. ومن هنا يفرض المستعمر الأجنبي لغته فرضا على الأمة التي يستعمرها ويركبهم بها ويشعرهم بعظمته فيها ويحكم عليها أحكاما ثلاثة في عمل واحد: فالأول تحبس لغتهم في لغته سجنا مؤبدا والثاني الحكم على ماضيهم بالقتل محوا ونسيانا والثالث تغيير مستقبلهم بالأغلال التي يضعها فأمرهم من بعدها لأمره تبع". واليوم حين نتحدث عن جابر عصفور ونبرز جهوده في الترجمة فهو كذلك علامة متميزة في الثقافة العربية والإسلامية، يحتل موقع الصدارة بحضوره المتواصل وإسهاماته بصفته باحثا في الفكر الإنساني. ونحن هنا في الجزائر نتابع بكل اهتمام كل ما ينشر أو يكتب عن جابر عصفور وخاصة المقالات القيمة الشهرية التي تكتب في مجلة العربي. إننا في الجزائر نرحب بهذه المبادرة وسوف نقدم لسيادتكم كل التسهيلات اللازمة لترجمة هذا الكاتب، فبلدنا بلد واعد وهو سوق كبيرة في مجال الكتاب، وأنا أستطيع أن أجزم أن ما تحقق في هذه الفترة في مجال صناعة الكتاب لم يحقق أيام حكم الحزب الواحد على الإطلاق. ولكن هناك صعوبات كبيرة لإيصال المعلومات اللازمة حول صناعة الكتاب في الجزائر إلى إخواننا في المشرق. إن اهتمامنا في الجزائر هو بناء الإنسان أولا لهذا أقول لكم سيدي أنتم الشريحة التي لديها مساحة للتحرك ونتمنى أن تتحركوا بشكل جيد للحد من الفجوة القائمة بين المشرق والمغرب، وهي مهمة سهلة لأن هناك ثوابت وقواسم مشتركة تجمعنا. وآمل أن يستمر هذا العمل بين البلدين في هذا المجال وذلك لمواجهة التحديات التي تواجه الأمة وأعلمك سيدي بأن الجزائر تكتنز مخزونا ثقافيا وأدبيا هائلا وتراثا أصيلا ولكن ما ينقصنا هو الإعلام، والدليل على ذلك هو أن الكتاب صدر في الجزائر ويترجم في القاهرة أي أنه عرف في القاهرة قبل الجزائر. أجدد الشكر والتقدير للمركز القومي للترجمة وإلى المفكر جابر عصفور وأقول له من ظفر بعمله اغتنت نفسه، وتثبطت همته، وشكر الله له، على ما أسداه من خدمات للفكر الإنساني عامة، وللحضارة العربية الإسلامية خاصة، أتمنى لكم المزيد من التوفيق والسداد في أدائكم لمهامكم وواجباتكم لما فيه خدمة للوطن العربي واللغة العربية.