كلما اقتربت الامتحانات يكثر الحديث عن استعداد التلاميذ و الطلبة لها و لكن بمجرد التقرب منهم تدرك مدى استهتار أغلبيتهم بقيمة الامتحانات و تجدهم يتبادلون آخر المعلومات عن أساليب الغش و يبذلون جهدا كبيرا في التركيز على كيفية مراوغة المراقبين . فقد الامتحان قيمته ولم يعد ذلك المعيار الصحيح والحقيقي لتقويم مستوى الطالب بسبب تفشي ظاهرة الغش وتطور أساليبها حتى أصبحنا اليوم نتحدث عن أحدث أساليب الغش، و الكثير من الطلاب يقضون الأسبوع الأخير قبل الامتحان في الاستعداد لتحضير وسائل وأدوات الغش ويبتكرون أحسن الأساليب التي لا يمكن للمراقب ضبطها حيث تنوعت من كتابة الدروس في أوراق وتصغيرها بواسطة آلات النسخ لتأخذ مساحة أقل ويمكن إخفاؤها في أكمام القمصان أو بين طيات أوراق الإجابة، إلى الكتابة على الأيدي، السيقان، الأذرع، وحتى على المقاعد، وصولا إلى الغش بواسطة الهاتف الجوال ، وكل يوم يبتكر الطلبة الجديد في هذا المجال. و في ظل هذا التحول السلبي في مجال التقويم التربوي، لا يمكن للمرء إلا أن يتساءل عن جدوى الامتحان ؟ فالتطور الذي يشهده العالم لحظة بعد أخرى، يقتضي منا أن نغير مناهجنا التربوية وأساليب تقويمنا للطلبة على الدوام. لأن الامتحان المحروس تجاوزه الطلبة وتغلبوا على عقباته...... إن معيار قوة الأمم السالفة وتفوقها قام على أساس ما تملكه هذه الأمة من رجال قادرين على القتال و تتفوق من حيث الكم والنوع على ما يملكه الخصوم من الشعوب الأخرى ، وعلى مدى حقبات طويلة من التاريخ هيمنت دول متعاقبة على العالم واكتسبت الثروات من خلال الفتح والغزو. بينما يقوم معيار قوة الأمم وتطورها ورقيها في الحياة البشرية الراهنة على أساس ما تملكه من معرفة ومؤسسات لتنمية المعرفة واستثمارها وتقف في مقدمتها المؤسسات التربوية والتعليمية الرسمية. والتعليم هو تطوير وبناء القدرة البشرية ورفع إمكاناتها وفق معايير سائدة في زمان ومكان معينين. ويعتبر التعليم حجر الزاوية في التنمية الإنسانية، وهو حق وهدف وغاية في حد ذاته ، فالمعرفة قوة بحد ذاتها للفرد والمجتمع، فضلا عما يوفره التعليم من فرص لتحسين الرفاه الاجتماعي وتأثيره المباشر على نمو الاقتصاد ورفع مستوى القيم والتحضر في المجتمع . وجريمة الغش في الامتحانات والتغاضي عنها أكبر خديعة ترتكب بحق المجتمع بل هي مؤامرة وخيانة كبيرة للمجتمع، فالغشاش يمكن أن يتخرج من كلية الطب ليكون طبيباً لا يعرف معنى الأمانة الطبية أو من كلية القانون ليكون قاضيا مرتشياً غير عادل أو محاميا متآمرا على العدالة أوحتى سفيرا أو رجل دولة انتهازي أو صيدلي يمارس بيع الأدوية المغشوشة او أستاذا يبيع الأسئلة .. فلا يتوقع ممن كان وصوله عن طريق الغش أن يكون مستقيماً وفاضلاً، ذلك أن الفضيلة تعني استعداداً دائماً ومستمراً للنفس البشرية لفعل الخير ورد الشر ونبذ الغش والفساد، فالفضيلة تحمل طابع الدوام والثبات والتعود لا العكس. ذلك أن الغشاش إنما يزيح من هو أكفأ منه ومن بذل أكبر الجهد وسهر الليالي، ليحل محله دون وجه حق. تعد معايير التقييم من المسائل الجوهرية التي اعتنى بها الفلاسفة والحكماء على مر التاريخ فهي أسس وضوابط علمية للتمييز بين ما هو ما هو خطأ أو صواب في أي مجال من مجالات الحياة المختلفة، وكان لهذه المعايير عند التطبيق العملي أثر بالغ على نهضة الشعوب وفي رسم صورة مستقبلها على أسس علمية راسخة. فالمعيار يضع الأشخاص والأشياء في أماكنها الصحيحة. و لكن في الغالب اليوم يقوم التقييم على أساس التصور الشخصي لما يجب أن تكون عليه أحوال الأشخاص أو الأشياء وهذا الأساس ذو طبيعة مدمرة في النهاية على مصير العلم والمعرفة ومصير العدالة في المجتمع عموما.