سمعت مواطنا يناجي ربه داعيا "اللهم إنك تعلم علم اليقين، أن عبدك الضعيف، إبن عبدك وآمتك، يؤمن إيمانا قاطعا بقضائك وقدرك، ويرضى بقسمتك وعدلك، ويؤمن أن الموت عدل والمرض حق. اللهم لا تجعل آخر أيامي في أحد مستشفياتنا، وكن لي طبيبا يغنيني عن الحاجة إلى استعجالاتنا، خاصة كانت أو عمومية."في البدء، أعترف بعدم تأكدي من النقل الحرفي لنص الدعاء، ولكن المؤكد أن الزيادة أو النقصان في كلماته، لا يؤثر على المعنى المقصود من الدعاء الذي سمعته ليلة الخميس إلى الجمعة الماضيتين، عندما رافقت مصابا تم نقله على جناح السرعة من ولاية داخلية إلى مستشفى "بارني" بالعاصمة لإجراء عملية جراحية بغرض إنقاذ عينه في أعقاب حادث تعرض له ليلا.المواطن المصاب، وصل أو بالأحرى اوصلوه إلى استعجالات "بارني" على الساعة الثانية صباحا من أجل إخضاعه مباشرة للعملية تفاديا لأي مضاعفات تؤدي إلى فقدان البصر، وكالعادة كان يجب أن تضيع "45 دقيقة" مجانا أمام مدخل الاستعجالات، وهي مدة كافية للعثور على الممرض المناوب ، تضاف إليها دقائق أخرى تضيع في احتجاجات الممرض بسبب "إزعاجه" في مثل هذا الوقت.الطبيبة الجراحة المناوبة، عندما تم إبلاغها عن حالة المصاب (وهي ببيتها)، ونقلوا إليها بالهاتف درجة خطورة الإصابة، أعطت أوامر بتحويله إلى غرف المرضى المقيمين إلى غاية الصباح، و"الصباح رباح"كما يقول إخواننا المشارقة، وبطبيعة الحال، فإن الممرض المناوب في هذه الحالة يعي جيدا المطلوب منه، وهي جملة قصيرة تتكرر كلما شعر بارتفاع الضغط لدى أهل المريض.. " ما تتقلقوش يا جماعة.. الطبيبة راهي جاية". عند الساعة التاسعة والنصف صباحا، صار بالغرفة مرضى عدة بدل المريض الواحد، لأن عددا من أهل ومرافقي المصاب تعرضوا لارتفاع نسبة السكر في الدم وهم يشاهدون مريضهم يفقد عينه تدريجيا في غياب ، الصرامة في المتابعة التي كثيرا ما تحدث بها معالي وزير الصحة في تلفزيون وإذاعة الشعب، وقال إنها ثمرة من ثمار الإصلاح الصحي. في الجانب الآخر كان أحد مرافقي المصاب يجري اتصالات هاتفية، طالت بعض نواب المجلس الشعبي الوطني وبعض أعضاء مجلس الأمة وبعض الشخصيات ممن توسم فيهم القدرة على التدخل، ولكن كل المساعي باءت بالفشل في البداية، لان الأمر كان يتطلب تدخل مدير المستشفى لحل هذه الأزمة المعقدة، والسيد المدير كما أخبرنا كان وقتها في طريقه للمشاركة في الجامعة الصيفية للأفلان بتيبازة. في هذه الأثناء، نادى "البشير" بوصول السيدة الجراحة المناوبة "بعد تسع ساعات من التأخر"، فقصدها ليترجاها بالإسراع في إجراء العملية حتى لا يفقد قريبه البصر، وكانت السيدة الجراحة مختصرة في ردها "نعرف خدمتي.. أخرج علي".. في هذا الوقت بالذات، تمنيت صادقا لو ان وزير الصحة يسمعني لأقول له بلغة محترمة عكس لغة الجراحة.. يا معالي الوزير ماهذا؟..وبعبارة موسعة، لماذا نصرف الأموال الطائلة من أجل استخراج شهادة دكتور او جراح، لا يفقه في لغة الاتصال شيئا ؟ ما الذي ينقصنا يا معالي الوزير، ويا معالي وزراء الدولة لنكون في مستوى الأمم المتحضرة، ونحن نملك المال الوافر والكفاءات التي تحلم بها أرقى الأمم والشعوب؟ إن حالة اليأس التي بلغها المواطن، مسؤولية تسألون عنها في الدنيا والآخرة، وانا على يقين أن كثيرا منكم أنتم المسؤولون، يملكون من الإنسانية والشفقة ما يثير دموعهم ويدمي قلوبهم لو سمعوا مواطنا غلبانا من أبناء الشعب يناجي ربه في ظلمات الليل وفي غمرة الإحساس بالحقرة.. " اللهم كن لي طبيبا يغنيني عن حاجتي لاستعجالاتنا الطبية.. آمين سعيد مقدم