أشارت دراسة علمية حديثة أعدها معهد "غرين بوينت" العلمي البريطاني، وهو أحد المعاهد المعنية بالدراسات المستقبلية حول الرصد الجوي إلى أن منطقة شمال أفريقيا ستكون من أكثر مناطق العالم تأثرا بالتغيرات المناخية حتى العام 2050. وهي تؤكد ما خلصت إليه أيضا دراسات سابقة، لجهة أن القارة الأفريقية ساهمت بأقل العوامل التي تتسبب في تغير المناخ إلا أنها كانت وما تزال الأكثر تضررا. كما أن تقريرا صادرا عن الأممالمتحدة، كان قد أكد في وقت سابق أن الحصول على المياه قد يتحول سببا رئيسي النشوب الحروب وتزايد الصراعات الداخلية خلال السنوات ال 25 القادمة، مع تضرر النظم الإيكولوجية البحرية في شرق وجنوب أفريقيا، وكذلك النظم الإيكولوجية الأرضية في منطقة غرب أفريقيا، فضلا عما نشهد من تحولات كبيرة في أنماط الهجرة، وفي النطاق الجغرافي والنشاط الموسمي لكثير من الأنواع البرية والبحرية استجابة لتغير المناخ. دراسة معهد "غرين بوينت" كانت محور نقاش بين المشاركين في ملتقى حول البيئة والمناخ احتضنته مدينة غرداية مؤخرا، وتناولت معطيات تؤكد أن الشريط الساحلي بشمال أفريقيا الذي يضم أكثر من نصف سكان دول تونسالجزائر ومصر سيعاني من تقلبات جوية حادة من برد شديد وفيضانات وحرارة غير موسمية، وزحفا للأمراض الأفريقية، فضلا عما تشهد بلدان أفريقية من موجات هجرة نحو الشمال، إضافة إلى نزاعات مسلحة وثورات نتيجة الجفاف وتقلب المناخ، كما تناولت الدراسة المجاعات الناجمة عن تدهور الإنتاج الفلاحي. وحسب مصادر مطلعة، فإن الجزائريين لن يكونوا بمنأى عن نتائج الاحتباس الحراري، بل إن الجزائر، تبعا لما أكدته منظمات دولية عدة تقع ضمن المنطقة الحمراء المهددة بالاحتباس الحراري، وقد رسمت معاهد بحث بيئية عالمية صورة قاتمة للواقع البيئي خلال الثلاثين سنة المقبلة في الجزائر، بسبب الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية التي ستنجم عنه، وقالت إن شمال أفريقيا سيشهد غزوا للأمراض الاستوائية وزحفا للصحراء إلى 100 كلم نحو الشمال، فضلا عن تقلبات جوية قاسية من جفاف وحرارة وفيضانات. وفي هذا السياق، قرر مجلس الوزراء إنشاء لجنة وطنية لمراقبة ومواجهة التغير المناخي على المدى القريب، وتمويل لجنة خبراء لدراسة التغير المناخي على المديين المتوسط البعيد، وبحسب مصادر إعلامية، ستضم لجنة مراقبة ومواجهة التغير المناخي مسؤولين من عدة وزارات، هي: الداخلية الطاقة، البيئة وتهيئة الإقليم، النقل والسكن، الفلاحة (الزراعة) والموارد المائية، وتعمل لجنة الخبراء المتخصصين في علوم الأرصاد الجوية بالتنسيق مع مراكز تصوير فضائي عالمية مثل، ولا سيما منها وكالة الفضاء الأميركية ال "ناسا" ومراكز بحث أميركية متطورة. مخطط وطني لدراسة تغير المناخ وفي السياق عينه، أكد الأمين العام لوزارة تهيئة الإقليم والبيئة أحمد زروق خلال افتتاح الورشة الثالثة للمخطط الوطني لتغير المناخ في مدينة غرداية أن "ولايات الجنوب معنية بشكل مباشر بتغير المناخ ونقص موارد المياه التصحر والحرارة الشديدة"، لافتا إلى أن "الجزائر قررت اعتماد مخطط وطني لدراسة تغير المناخ وتأثيره على الاقتصاد الصحة وحياة السكان، وقد تقرر زيادة إمكانات الجماعات المحلية لمواجهة آثار التغير المناخي". ومن جهة ثانية، كشف المشاركون في الملتقى الجهوي الذي ضم ولايات الجنوب حول التغير المناخي أن "الجزائر خسرت في خلال 4 سنوات فقط ما لا يقل عن مليار دولار نتيجة الفيضانات والتقلبات الجوية الناتجة عن الاحتباس الحراري، منها 400 مليون دولار في فيضانات غرداية، وأكثر من 100 مليون دولار خلال موجة البرد والصقيع والثلوج في الأسابيع الماضية، وقد دفعت الجزائر فاتورة مضاعفة نتيجة ارتفاع أسعار الحبوب والمواد الغذائية على مستوى العالم نتيجة التقلبات المناخية. وحذرت منظمات دولية من تأثير التقلبات المناخية على عدة دول، أهمها دول شمال أفريقيا التي سترتفع فيها درجة الحرارة مرتين أكثر من المستوى العالمي، وكل ارتفاع في درجة حرارة الأرض في العالم بدرجة ينجم عنه ارتفاع حرارة القارة الأفريقية بدرجتين، وسينتج عن هذا الوضع موجات نزوح وهجرة جديدة تهدف للوصول إلى أوروبا عبر شمال أفريقيا كما ستنتشر الأمراض الاستوائية من دول أفريقيا السمراء نحو شمال إفريقيا. وتتوقع دراسات وصول مرض حمى المستنقعات أو الملاريا إلى شمال الجزائر في غضون عدة سنوات، ولخص المشاركون في الملتقى أهم القطاعات التي ستعاني من التقلبات المناخية، وهي قطاعات السكن، الفلاحة، الموارد المائية والصحة، وهو ما سيدفع الجزائر لإنفاق أموال طائلة لعلاج المشاكل المترتبة على التغير المناخي. وقال المشاركون إن الجزائر باتت مكبلة بمضمون اتفاقيات الحد من انبعاث الغازات مثل "كيوتو"، حيث وجدت الجزائر نفسها ملزمة بالحد من انبعاث الغازات، وهو ما يعني التأثير على التنمية الاقتصادية، رغم أن مستوى انبعاث الغازات من الجزائر مقبول سنويا، بحسب دراسة أجريت عام 2001.