يقول الله تعالى: (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ) [الرعد: 8]. قال الألوسي: بمقدار: أي بقدر لا يجاوزه ولا ينقص عنه، فإن كل حادث من الأعراض والجواهر له في كل مرتبة من مراتب التكوين وميادينها وقت معين وحال مخصوص لا يكاد يجاوزه. إن كل شيء في هذه الدنيا خُلق وسُخّر من أجل الإنسان، قال سبحانه: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) [الجاثية: 13] فجميع الأشياء مخلوقة من أجله، وكلها مقدرة فكل ما يظهر لنا من مخلوقات في السماء، يقترن بقاؤه ونظامه ببقاء الإنسان، والأرض وما فيها وما عليها يقترن بقاؤها ببقاء الإنسان، ولهذا فعندما يأتي أوان انتهاء الحياة الإنسانية، تنتهي كل هذه المخلوقات في الأرض وأيضاً في السماوات. قال تعالى: (إذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ * وَإذَا الكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ * وَإذَا البِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإذَا القُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) [الانفطار: 1، 5] وهذه النهاية أيضاً لا بد أن تلفت نظر الإنسان إلى أن الله تعالى ما كان ليخلقه ويسويه، فيعدله ويهديه ويخلق كل هذا من أجله لكي يمضي سويعات العمر في العصيان والغرور، ولهذا قال سبحانه بعد تلك الآيات: (يَا أَيُّهَا الإنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ * الَذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ) [الانفطار: 6 - 8 ]. وغرور الإنسان لا تقل حدته إلا بالتفكر.. التفكر في خلق الله في تقديره وفي تسويته لخلقه وفي هدايته لهم؛ فهذا التفكير يدعونا إلى أن نقدره سبحانه حق قدره، وأن نسبح بحمده كما أمرنا (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) [الأعلى: 1 - 3].فإذا كانت حياة الإنسان كلها تسير وفق سنن التقدير، فكذلك الموت. يقول تعالى: (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ المَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) [الواقعة: 60] أي جعلناه مقدراً بآجال معلومة وأعمار منها طويل، ومنها قصير ومتوسط؛ فالله تعالى يعلم المدة التي تصلح لحياة كل مخلوق حي على حسب علمه السابق بمصيره في الآخرة، فيطيل عمر هذا في الطاعة، وينقص من عمر هذا حتى لا يزيد في المعصية، ويملي لهذا حتى يأخذه أخذ عزيز مقتدر، ويمهل ذاك حتى يتوب أو ينوب، هذا على مستوى الأفراد، وعلى مستوى الأمم والأجيال أيضاً؛ فإن لها آجالها كذلك (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإذَا جََاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَاًخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف: 34].فسبحان خالق الإنسان، وسبحان خالق الأكوان، سبحان خالق الحياة، وسبحان خالق الموت الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً.