عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (جَعَلَ اللّهُ الرَحمَةَ مائة جُزء فأمسَكَ عندَهُ تسعَة وتِسعينَ، وأنزَلَ في الأرض جُزءا واحدا، فمِن ذلكَ الجُزءِ يتراحَمُ الخَلائِقُ حَتّى تَرفَعُ الدابّة حافِرَها عن وَلَدِها خَشيةَ أن تُصيبَهُ) متفق عليه.لقد خبأ الله تعالى تسعة وتسعين بالمائة من رحمته يرحم بها عباده يوم القيامة، فحسن الظن بالله تعالى مطلوب على الدوام ما لم يتخذ المرء من ذلك ذريعة لكي يستحل المحارم ويرتكب الآثام، وإذا ما وعظه أحد أو نهاه عن ذلك قال إن الله غفور رحيم. قال الله تعالى: (قُل يا عِباديَ الّذين أسرفوا على أنفُسِهِم لا تَقنَطوا مِن رَحمَةِ اللّه إنّ اللّه يَغفِرُ الذُنوبَ جَميعا) والرجال بحسب أعمالهم ثلاثة: رجُل عمل حسنة فهو يرجو قبولها، ورجل عمل سيئة ثم تاب فهو يرجو المغفرة، والثالث الرجل الكاذب يتمادى في الذنوب ويقول أرجو المغفرة.قال أحد أصحاب الإمام مالك بن أنس: دخلنا عليه في العشية التي قبض فيها فقلنا يا أبا عبد الله؛ كيف تجدك؟ قال ما أدري ما أقول لكم، غير أنكم ستعاينون من عفو الله تعالى ما لم يكن لكم في حساب، ثم ما برحنا حتى أغمضناه رحمه الله. وهكذا تكون الثقة بالله تعالى وخاصة في تلك اللحظات. ورؤي مالك بن دينار في المنام فقيل له ما فعل الله بك؟ فقال: قدمت على ربي عز وجل بذنوب كثيرة محاها عني حسن ظني به تعالى.وعن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إنّ اللّهَ تعالى ليضحَكُ من يأس العبادِ وقنوطهم وقرب الرّحمَةِ منهُم). هذا وإن اليأس من رحمة الله تعالى من أكبر الذنوب ، قال تعالى: (إنّهُ لا ييأسُ من روح اللّهِ إلاّ القومُ الكافرون).إن الموازنة بين الخوف والرجاء مطلوبة على الدوام، فالخوف يردع عن ارتكاب الذنوب والرجاء يشجع الإنسان على التوبة والإقلاع عن الذنوب. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لو نودي يوم القيامة أنه لن يدخل الجنة إلاّ واحد لرجوت أن أكون أنا، ولو نودي أنه لن يدخل النار إلاّ واحد لخشيت أن أكون أنا. فالمؤمن قبل ارتكاب ذنب يخشى الله ويخافه من سوء العاقبة، أما إذا ارتكب ذنبا فهو يسرع في التوبة ويرجو أن يغفر الله له ويلح في الدعاء ويوقن بالإجابة ويجعل الذنب نصب عينيه يستغفر الله منه كلما تذكره ويرجو رحمة ربه فإنها قريب من المحسنين.