أيها المسلم الجزائري؛ هاك وصايا نافعة مختصرة على وجه الإجمال. وسنعيدها عليك مطولة على وجه التفصيل. هاك آدابا تقتضيها إنسانيتك، ويفرضها عليك دينك، وتستدعيها مصلحتك في هذه الحياة. هاك ما إن تمسكت به كنت إنسان المدينة، ورجل السياسة، وسيدا حقيقيا يرمق من كل أحد بعين الاحترام والتعظيم.حافظ على صحتك فهي أساس سعادتك، وشرط قيامك بالأعمال النافعة لنفسك ولغيرك. تجنب العفونة فإنها صدر جراثيم الأمراض ومثار نفور وبغض لطعتك، ومجلبة سب لجنسك ولدينك الشريف البريء منك في مثل هذا الحال. نظف بدنك نظف ثوبك تبعث الخفة والنشاط في نفسك، وتنبل في عين غيرك، وتجلبه إلى الاستئناس بمعاشرتك.حافظ على عقلك فهو النور الإلهي الذي مُنحته لتهتدي به إلى طرق السعادة في حياتك.احذر كل "متعيلم" يزهدك في علم من العلوم فإن العلوم كلها أثمرتها العقول لخدمة الإنسانية، ودعا إليها القرآن بالآيات الصريحة، وخدم علماء الإسلام بالتحسين والاستنباط ما عرف منها في عهد مدنيتهم الشرقية والعربية حتى اعترف بأستاذيتهم علماء أوروبا اليوم.واحذر كل "متربط" يريد أن يقف بينك وبين ربك، ويسيطر على عقلك وقلبك وجسمك ومالك بقوة يزعم التصرف بها في الكون، فربك يقول لك إذا سألت عنه: (فإني قريب) الآية. ويقول لك: (ألا له الخلق والأمر). وأن أولياء الله الصالحين بعيدون عن كل تظاهر ودعوى، متحلون بالزهد والتواضع والتقوى، يعرفهم المؤمن بنور الإيمان وبهذا الميزان. واحذر كل دجال يتاجر بالرقى والطلاسم، ويتخذ آيات القرآن وأسماء الرحمن هزؤا، يستعملونها في التمويه، و"القيادة" و"التفريق" ويرفقونها بعقاقير سمية فيهلكون العقول والأبدان.حافظ على مالك فهو قوام أعمالك، فاسلك لسبيل مشروع لتحصيله وتنميته، واطرق كل باب خيري لبذله. احذر من بالوعة المضاربات الربوية في معاملاتك، ومن مسارب السرف في جميع ملذاتك إذا كانت من المباحات، ودع ما إذا كانت من المحرمات.حافظ على حياتك، ولا حياة لك إلا بحياة قومك ووطنك ودينك ولغتك وجميل عاداتك، وإذا أردت الحياة لهذه كلها فكن ابن وقتك، تسير مع العصر الذي أنت فيه بما يناسب من أسباب الحياة وطرق المعاشرة والتعامل. كن عصريا في فكرك وفي عملك في تجارتك في صناعتك في فلاحتك في تمدنك ورقيك. كن صادقا في معاملاتك بقولك وفعلك.احذر من الخيانة؛ الخيانة المادية في النفوس والأعراض والأموال، والخيانة الأدبية ببيع الذمة والشرف والضمير.احذر من التوحش فإن المتوحش في عصر المدنية محكوم عليه طبيعيا بالتناقض ثم الفني والاضمحلال والاندثار كما فنيت جميع الأمم المتباعدة عن التمدن والرقي.احذر من التعصب الجنسي الممقوت فإنه أكبر علامة من علامات الهمجية والانحطاط.كن محسنا لكل أحد من كل جنس ودين، فدين الشريف يأمرك بالإحسان.. عبد الحميد بن باديس.