لقد حذرنا الإسلام من كيد الشيطان، وبيّن لنا أن كيد الشيطان محيط بالإنسان ليُغويه أكثر مما أغوى به أبانا آدم عليه السلام، وإن كان مكر الشيطان لا يتجاوز الوسوسة وحض الإنسان على معصية ربه واتباع شهوته، فهو لا يفتح بابا ويحمل إنسانا على المعصية بالقوة، إلا أن هذا الكيد ما لم يُتقى يكون خطيرا على بني آدم، ومن أجل الاحتراز والابتعاد وإضعاف كيد الشيطان جعل الله لعباده المؤمنين حرزا وحصنا يعتصمون به من الشيطان وكيده وجنوده، بل جعل لنا حصونا عديدة نحمي ونقي أنفسنا بها، ولو تأملنا فيما يأتي من أعمال وأذكار تحمي صاحبها من كيد الشيطان لوجدنا أن منها ما هو يسير سهل لكن نفعه كبير وكثير، فطوبى لمن دخل في حصن الله عز وجل، ولا عذر لمن عرّض نفسه لكيد الشيطان ولم يُكلّف نفسه أن يأتي بفعل صغير يقي نفسه ويحمي قلبه ويُحصّن عمله من نزغ الشيطان. أحدها: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، قال تعالى: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأعراف:200). الحرز الثاني: قراءة المعوذتين، فإن لهما تأثيرًا عجيباً في الاستعاذة بالله من شره ودفعه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما تعوذ المتعوذون بمثلهما). وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ بهما كل ليلة عند النوم، وأمر عقبة بن عامر أن يتعوذ بهما دبر كل صلاة، وذكر أن من قرأهما مع سورة الإخلاص ثلاثاً حين يمسي وثلاثاً حين يصبح كفته من كل شيء. الحرز الثالث: قراءة آية الكرسي. الحرز الرابع: قراءة سورة البقرة. ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن البيت الذي تقرأ فيه البقرة لا يدخله الشيطان).الحرز الخامس: خواتيم سورة البقرة، فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه). قراءة أول سورة حم المؤمن، أي سورة غافر؛ وهو قوله تعالى: (حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (غافر: 1، 3)، فقد روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حم: المؤمن. إلى قوله: إِلَيْهِ الْمَصِيرُ، وآية الكرسي حين يصبح، حُفظ بهما حتى يمسي، ومن قرأهما حين يمسي حُفِظَ بهما حتى يصبح). الحرز السابع: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، في اليوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت حرزاً له من الشيطان يومه ذلك). فهذا حرز عظيم النفع جليل الفائدة يسير سهل على من يسره الله عليه. الحرز الثامن: وهو من أنفع ما اتُقيَ به من الشيطان كثرة ذكر الله عز وجل، فقد وُصف الشيطان في سورة الناس بأنه الخناس، والخناس الذي إذا ذكر العبدُ ربه انخنس، فإذا غفل عن ذكر الله التقم القلب وألقى إليه الوساس، فما أحرز العبد نفسه من الشيطان بمثل ذكر الله عز وجل. الحرز التاسع: الوضوء والصلاة، وهذا من أعظم ما يتحرز العبد به، ولا سيما عند الغضب والشهوة، فإنها نار تصلى في قلب ابن آدم، فقد روى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم، فما أطفأ العبد جمرة الغضب بمثل الوضوء والصلاة، فإن الصلاة إذا وقعت بخشوعها والإقبال على الله فيها أذهبت أثر ذلك جملة)، وهذا أمر تجربتُه تغني عن إقامة الدليل.