لوقت ليس ببعيد كانت الشجارات التي تحصل في مجتمعنا الجزائري من إخراج وبطولة تقودها اللمسة الذكورية الخالصة، ولكن يبدو أن الادوار قد تغيرت خلال هذه الأيام خاصة في شوارع العاصمة، التي تشهد مؤخرا أحداثا مؤسفة تغذيها مناوشات بسيطة بين الجنس اللطيف، لتصبح صور صراعهن في الشارع حديث العام والخاص. ظاهرة استرجال الفتيات...اثبات الذات أولا ولا يهم نظرة المجتمع لطالما كانت المرأة مثالا لكل جمال ينبض في هذه الحياة، و لطالما تغنى بها الشعراء والأدباء في قصائدهم وفي رواياتهم، فالمرأة نموذج حي للرقة والحنان والتسامح والكلام الجميل...،ولكن لأسباب أو لأخرى تحول المثل القائل "المرأة لا تضرب حتى بالوردة"، الى تحول الوردة التي تحملها المرأة الى أشواك، وذلك بسب انتشار ثقافة اثبات الذات من طرف العديد من الفتيات وعدم تجاوز أي اساءة أو شيء من شأنه أن يمس كرامتها، ومن خلال المفهوم الخاطئ لدى العديد منهن أدى الى تحول الأنا عند الفتاة والكرامة و الحرية الشخصية وغيرها من المفاهيم التحررية الدخيلة على ثقافة مجتمعنا، أدت الى استفحال ظاهرة أشدة وطأة منها وهي الشجارات التي تحصل كل يوم، فأصبحت الفتاة هي التي تقود " الشجارات في الشوارع " والشباب يتفرجون على المهازل التي تحصل يوميا في احياء وشوارع العاصمة. حيث تبرر الفتاة " ب ت" الشجار الذي حصل بينها وبين فتاة أخرى في محطة لنقل الطلبة بالعاصمة أول أمس، بسب سوء الفهم بينهما الذي أدى الى تضارب بالأيدي وتقاذف أنواع السب والشتم، بأنها في البداية لم تكن تريد أن تجاري الفتاة الأخرى و"تكبر الموضوع"، الا أن تطاولها وسوء أدبها في الكلام هو من دفعها للرد عليها، لأنه حسب ما تقول أن السكوت على فتاة مثل هذه، والتغاضي على الكلام الذي كانت تقوله يعتبر اهانة اليها وتكون في نظر الناس ضعيفة. فتيات يتمردن ضد... "اللي جاز على كلمة جاز على روح" وقصد الوقوف أكثر من هذه الظاهرة، ومعرفة مدى تقبل الفتيات الى هذه المهازل التي تحصل يوميا ارتأت يومية المستقبل العربي نقل صور حية لشهادات فتيات وقفن على شجارات كانت بطلاتها فتيات في مقتبل العمر، حيث بدأت " سهام " وهي طالبة جامعية، تروي تفاصيل الأحداث التي كانت شاهدة عليها بمجرد أن تعرفت علينا، إذ ترجع السبب قبل كل شيء في انتشار هذه التصرفات اللاأخلاقية والتي تشوه صورة الفتيات بصفة عامة الى نقص التربية، ومحاولة هؤلاء الفتيات اللواتي يقبلن على فعل هذه التصرفات في الشارع وأمام الملء الى غياب الحس الأنثوي لديهن. وقد واصلت حديثها في هذه الظاهرة بالحديث عن الأمثلة التي عايشتها في الشارع، حيث تقول أنني مرة كنت في مركز تجاري وكانت قبلي امرأة تحمل ابنها وبينما هي تصعد في سلالم المركز، اذا بفتاة خلفها تماما تطلب منها وبطريقة فضة أن تتركها تعبر، وعند رفض المرأة الأولى لطلب الاخيرة بفسح الطريق بحجة أنها لا تستطيع لأن عربة ابنها تعرقلها، فاذا بالفتاة وكردة فعل منها على ذلك بدأت تصرخ بأعلى صوتها، وهذا ما لم تتقبله المرأة الأولى معتبرة الموقف الذي تعرضت اليه اهانة في حقها، لتنعتها بعدها بكلمة " ما شي مربية" وهو الأمر الذي أثار حفيظة الفتاة التي انهالت على المرأة بالضرب، لتخلع حجاب هذه الأخيرة بعد ذلك، الا أن الأمر الذي أثار استغراب ودهشة الحاضرين هو عدم اكتراث المرأة التي كانت تحمل ابنها، بحجابها المنزوع والملقى على الأرض بقدر ما أهمها هو كيف تسترجع حقها وكرامتها. " هذه التصرفات المشينة والكلام بذيء يسيء الى سمعتنا نحن الفتيات ككل " ولم تتوقف الحكايات التي رصدتها المستقبل العربي عند هذا الحد، فبمجرد عرض الموضوع على الفتيات حتى بدأن يسرد حكايتهن، تقول" أسماء" أنها يوم حضرت في موقف كهذا، وكان السبب تافها الى اقصى درجة، حيث بدأت الفتاة بالتحرش بالأخرى وتعلق على حجابها دون أي معرفة مسبقة أو علاقة تربط بينهما بمجرد أن خرجت من الثانوية ألتقت هذه الفتاة بدأت الحكاية، حيث تواصل الرواية عن هذا الموقف، الفتاة التي تعرضت الى الاهانة في بداية الأمر لم ترد على ما كان يقال لها، وسكوت هذه الفتاة أثار أكثر غضب الأخرى وهو ما لم تتقبله، لتستمر أكثر في الإساءة اليها، وهو ما تصبر عليه الأخرى وتحول الأمر بعد ذلك الى مهزلة، وأصبحت الفتاتان فرجة وحديثا للمارة. ويعود السبب في ذلك حسب الكثير من الآراء الى انعدام التربية والأخلاق من جهة، وغياب ثقافة التحكم في النفس الصبر عند الكثيرين، هذا دون الحديث عن المفاهيم الجديدة والأفكار الدخيلة على فكر فتياتنا من أجل اثبات الذات، ومحاولة لفت انتباه الغير بأن الفتاة التي تتشاجر تريد أن تسوق فكرة معينة عنها، على أنها مثلا قوية ولا تخشى شيئا حتى في الشارع وأمام الملء، ولو على حساب أسمها وسمعتها وسمعة أهلها. وتعتبر الأنسة حنان أن قيام الفتاة بهذه التصرفات ليس هو الشجاعة أو دليل على القوة، فالفتاة التي تجاري فتاة أخرى وتنصاع وراء الضغوطات التي تتعرض لها من طرف فتاة أخرى، لا تقل عنها في سوء الأدب، لأنه حسب ما تقول: " الفتاة الأصيلة لا تقوم بأي شيء يخدش حياءها وأنوثتها، لذا لا يجب أن تنساق وراء ذلك". كما تعتبر النظرة الخاطئة والأحكام التي يطلقها البعض في مجتمعنا، هي من يغذي انتشار وتنامي هذه الظاهرة خاصة عندما تعتبر الفتاة التي تسكت عن حقها وتغض الطرف عن ما تسيء اليها على أنها ضعيفة، وغير قادرة عن الدفاع عن حقها. الأستاذ أحمد رباج : " شجار الفتاة في الشارع هو هدم لشخصيتها وليس اثباتا لها" يرى الأستاذ بكلية الشريعة الاسلامية، أحمد رباج، أن استفحال هذه الظاهرة التي أقل ما يقال عنها " أنها غير مسؤولة وتمس بالذوق العام، يعود بشكل كبير الى غياب عامل التربية في مجتمعنا سواء الأسرة المدرسة، المسجد وغيرها من الفضاءات التي عجزت عن القيام بدورها". ويضيف في الوقت ذاته، أن الشريعة الإسلامية أعطت قيمة كبيرة للعرف، وهو العادات الاجتماعية التي تتوافق مع العقل ولا تنافي في الوقت ذاته الشريعة الاسلامية ولا يتعارض مع شعور الجماعة. وعن السؤال المتعلق بمحاولة الفتيات اثبات ذاتهن من خلال الشجارات التي يحدثنها في الشارع، يقول الأستاذ : " هناك خلل في الشخصية وفي تلقي المفاهيم وضعف الذات، لأن النجاح يكون في العلم والتفوق في مجالات أخرى إيجابية، فهذا بالعكس هو هدم للذات". ويضيف أيضا أن الالتفات الى كلام الغير هو في حد ذاته ضعف في الشخصية، والحكمة أن يتفاعل الانسان بطريقة ايجابية مع القضايا التي تخدم المجتمع بصفة عامة، والمسؤولية في كل ما يحدث في مجتمعنا يتحملها الجميع بدوره الاسرة المدرسة، الشارع، وغيرها. لأنه لا يجوز أم يستقيل المجتمع من دوره الاصلاحي.