يقصد الكثير من الجزائريين الأماكن المخصصة للعلاج بالرقية الشرعية، والتي لا تكون مناسبة في الكثير من الأحيان لهذا النشاط، خاصة بعد أن أصبحت تجارة يمارسها كل من لم يجد لنفسه عملا، مستغلين بذلك الثقة الكبيرة التي يضعها الجزائريون في هذه الطريقة العلاجية. بحكم أننا مجتمع مسلم يؤمن بأن العين، الحسد، السحر.. كلها حقائق واقعية، كما يؤمن بأن في القرآن الكريم علاج وشفاء من كل هذه الأمراض، إضافة إلى أن فيه راحة كبيرة للنفس، فإن هذه القناعات الراسخة جعلت من العلاج بالقرآن الكريم أو الرقية الشرعية، أمرا صار جد منتشر في المجتمع الجزائري منذ وقت طويل. وإن كان البعض يلجأ إلى هذا النوع من الطرق العلاجية، ليبرر الفشل، أو بعض الأمور التي حدثت له دون إرادته، إلا أن أغلبية الناس في المجتمع الجزائري يتوجهون للرقية وينصحون غيرهم بها، باعتبار أنها مفيدة للشخص في كل الأحوال، ومهما كانت طبيعة ما يعاني منه، ويكفي أن تتحدث أمام أي كان، حول مرض استعصى علاجه على الأطباء، أو أي حالة نفسية غريبة، لتتهاطل عليك النصائح بالتوجه للرقية الشرعية. لكن هذه الثقة التي يضعها الناس في العلاج بالقرآن الكريم، استغلت بشكل سلبي من بعض الأطراف، الذين جعلوا منها تجارة وطريقة للربح والكسب، وهذا مع جهل تام بأسس هذه الطريقة العلاجية التي سنها رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام. مخازن.. ومحلات.. عيادات للرقية الشرعية وللوقوف عن قرب على واقع ممارسة الرقية الشرعية، ومدى اقتناع الناس بممارسات الرقاة، والأماكن التي يتم فيها استقبال الزبائن، كان ل"المستقبل العربي" جولة استطلاعية في بعض قاعات العلاج بالرقية الشرعية، أين اصطدمنا بوضعية كارثية لهذه الأماكن المخصصة لمثل هذا النشاط، حيث تفتقر في أغلبها للشروط المكان المحترم المناسب لتلاوة القرآن الكريم، ومساعدة المرضى على الشفاء. فبالنسبة للراقي محمد، الذي يعتمد على هذا العمل في الاسترزاق، وكسب قوت يومه، والذي لم نستطع معرفة مستواه الدراسي، والعلمي، أو المؤهلات التي خولته ممارسة هذا النشاط، فهو يستقبل زبائنه داخل مخزن لأحد جيرانه التجار، حيث تلحظ بمجرد دخولك إليه أنه غير مناسب تماما للرقية الشرعية، نظرا لغياب أدنى شروط النظافة فيه، وكذا الضجيج والفوضى الكبيرة التي تعمه، لا سيما وهو يتواجد في حي شعبي، به حركية كبيرة، وبجوار مجموعة من المحلات التجارية. غير أن الملاحظ أيضا، هو الإقبال والتوافد المعتبر للزبائن، وذلك لأن الراقي محمد لا يشترط على زبائنه مبلغا ماليا محددا، بل يترك لهم حرية دفع ما يستطيعون دفعه، وهذا حسب "نيتهم". أما الراقي عبد الرحمن، فقد اتخذ من أحد المحلات "عيادة" للرقية، وإن كانت هي الأخرى من حيث نظافتها، والمكان المخصص للرقية، وكذا مكان انتظار الزبائن، لا ترتقي لقراءة القرآن وعلاج المرضى، إلا أنها كانت تبدوا أحسن من سابقتها، لكننا لمسنا لدى حديثنا مع بعض الزبائن، عدم رضاهم عن عمل هذا الراقي، كونه يرفض أي مبلغ يقل عن 200 دينار للزيارة الواحدة، كما أنه ينصح الزبائن في كل مرة بمجموعة من الأعشاب، والوصفات العلاجية الطبيعية، باهظة الثمن، والتي يبيعها هو، في ذات المحل. "لا يهم أين وكيف.. أساس الرقية هو النية" ومن جانب آخر لمسنا لدى الزبائن عدم مبالاتهم بالمكان، أو الطريقة التي تتم بها الرقية، حتى وإن لم تكن مناسبة، في حين لمسنا لديهم اهتماما بالغا بالسعر المطلوب للزيارة، حيث يتشبع الأغلبية بفكرة أن الرقية عمل يبتغى به مساعدة الناس لوجه الله، والنية فيه هي الأساس، ويجب ألا يشترط الراقي على الزبائن مبالغ مالية كبيرة. فتقول سيدة وجدناها تحمل مجموعة من قارورات الماء، التي تريد أن ترقيها لابنتها المقبلة على اجتياز شهادة البكالوريا خلال الشهر المقبل "يجب ألا نتاجر بالرقية، والراقي الحقيقي هو الذي لا يأخذ سوى ملح اليد، كما يقال، أما إن بدأ بالتشرط، فقد أفقد عمله قيمته وأدخله عالم التجارة"، وتضيف أنها لا تأبه بطبيعة المكان الذي يستقبل فيه الراقي زبائنه، لأنه من الصعب إيجاد أماكن مناسبة، كما أن ذلك قد يكون مكلفا بالنسبة له، وتشاركها في الرأي زبونة أخرى ترتاد –حسب ما أوضحته لنا- على ذلك الراقي منذ فترة معتبرة، حيث تقول "الصح في النية، وما فائدة الأمور الشكلية، إن كانت النية باطلة، والعلاج بالرقية غير مفيد". "الكثير من الرقاة محتالون.. ويجب التأكد من مؤهلاتهم العلمية والأخلاقية" ولم يقتصر حديثنا إلى الزبائن، بل فتحنا هذا الموضوع مع عبد الله بن محمد وهو أستاذ علوم الشريعة، وإمام مسجد، والذي انتقد بشدة الممارسات التي يقوم بها الكثير ممن وصفهم بال"محتالين"، تحت اسم الرقية الشرعية، مستغلين جهل الناس من جهة، وتساهل الجهات الرسمية في هذا الشأن من جهة أخرى، فحسب حديث الأستاذ "صار من هب ودب وفي أي مكان، وبطرق عديدة ومتنوعة، يرقي للناس بالقرآن الكريم، ويوهمهم بأنه يعالجهم، وهو في الكثير من الأحيان لا يحفظ من كتاب الله إلا آيات معدودات، كما أنه لا يفقه في الأسس التي تقوم عليها الرقية الشرعية شيء"، داعيا الناس إلى البحث والقراءة في الكتب الدينية عن الطرق الصحيحة والمقبولة شرعا للرقية، إضافة إلى استشارة أهل العلم، بما فيهم أئمة المساجد، ليوجهوهم إلى الأشخاص المخولين فعلا بعلمهم، وأخلاقهم، لممارسة هذه الطريقة العلاجية.