تعد اللغة حجر الزاوية في العملية الاتصالية وكلما شابتها نقائص حصل فيها سوء إيصال وتبليغ، والمسك بزمام أي لغة والتحكم في تراكيبها هو طريق لاتصال ناجح وأي خلل على مستوى التفكير أو التعبير بهذه اللغة أيا كانت هو إيذان بتدهورها وسوء حالها. واللغة العربية بثرائها وجذورها وحيويتها تقتصر اليوم على الأدب دون العلم سواء في العالم العربي أو المجتمع الجزائري على وجه الخصوص، وتوصف بأنها لغة أثقل الزمن كاهلها فلا هي قادرة على اللحاق بركب تكنولوجيا طوقت اللاتينية كل جوانبها ولا هي قادرة على إثبات ذاتها، فهل حقا العربية قاصرة على تحقيق ما حققته الفرنسية والإنجليزية في ميدان العلوم، أم أن أهلها تخلوا عنها لصالح لغات وافدة عليهم؟ وهل أخطأ الإبراهيمي يوما حين قال:"اللغة العربية في الجزائرأصيلة حرة ليس لها ضرة"؟ إلا أنه وما لا يمكن اخفاؤه أو تجاهله اللغة العربية في وقت كان للعرب عزهم، ترجمت علوم عديدة كالطب والصيدلة والهندسة.. إلى لغات العالم أجمع، ولذلك قد حق للإبراهيمي أن يخطب ويقول "العربية: فضلها على العلم والمدنية وأثرها في الأمم غير العربية". الطلبة الجامعيون: " ما ذنبنا والمجتمع وميدان العمل هم من يفرضان ذلك " ونلمس ذلك بحدة لدى فئات المتمدرسين وقد يحمل وزر تلميذ لا يستطيع التعبير عن نفسه المنظومة التربوية التي لم تفلح في إعداد الإنسان الجزائري القادر على التعبير والتواصل، وهو ما يرتبط أساسا بعدة عوامل أخرى كالمناهج والبرامج والكتاب وطرائق التدريس هذه الأخيرة التي يقع على عاتقها جانب من اللوم والعتاب كذلك، فضلا عن المعلم الذي يجنح إلى تقديم النحو مثلا في مواقف اصطناعية صماء بعيدة عن فكر التلميذ. لا يمكن أن يسقطها على أرض الواقع بأي حال من الأحوال حيث عبر فيصل عن ذلك قائلا" أحب العربية ولكن أهابها" وهو بالذات ما ذهبت إليه أسماء طالبة الأدب العربي"في الحقيقة العربية وصلتنا غير منقوصة ولا ضعيفة ولا مترهلة، وذات حمولة فكرية وعلمية وبالتالي العيب فينا وليس في عربيتنا فهي من أجمل اللغات" وعلى قولها علقت زميلتها متمثلة قول الشافعي "نعيب لغتنا والعيب فينا" أما أحمد فقال" لا مشكل عندي في تعلم العربية ولكن هل ستساعدني في ميدان العمل عند تخرجي، الكل يبحث عن الذي يتقن الفرنسية والإنجليزية". من جهتها عبرت أحلام عن وجهة نظرها في الموضوع قائلة" أساس العربية القرآن ولأننا لا نقرأه فإننا لا نتقنها". الشاعر عبد الرحمان بكاي :" الشرخ الثقافي بين الأجيال سبب تراجع مكانة اللغة" وفي سؤالنا للأستاذ الشاعر عبد الرحمان بكاي الخذاري عن المسؤول الأول عن تدهور وضع اللغة العربية وإشكالية إتقانها أجاب مبتسما" أنا لا أعرف المسؤول الأول وإنما أعرف الخامس والسادس" في إشارة منه إلى تظافر عدة عوامل عديدة في إيصال العربية إلى ما هي عليه لافتا إلى" جناية الأستاذ على تلميذه عندما يكلمه بدارجة هجينة ويتساهل معه عندما يجيبه بلغة شارع سوقية وهو ما لا يبرأ التلميذ" يواصل الأستاذ "فالواضح أن هذا الأخير لا يحاول بذل جهد لتقويم لسانه على العربية وهو ما يؤدي إلى وجود شرخ ثقافي بالإضافة إلى غياب دور المساجد، حتى رياض الأطفال تلقن الطفل لغتين في وقت واحد ناهيك عن عدم إتقانه للغته الأم أساسا". من جهتها ارتأت الأستاذة صفية حسين أستاذة علوم القرآن بمعهد اللغة العربية وآدابها أن "نقص المطالعة واللجوء المستمر إلى الانترنت هو سبب عزوف أبنائنا عن اللغة العربية بالإضافة إلى طغيان المصطلحات الأجنبية على الأسرة الجزائرية وتأثر الطفل بها وعند انتقاله للدراسة يصطدم بالفصحى وبالتالي لا يجد بين هذا وذاك لسانا يعبر به عن نفسه" وهو الرأي الذي شاطرتها فيه الأخصائية النفسية (بلاغ.ي) حيث رأت خطرا في فرض اللغة الفرنسية على طفل لم يتقن العربية بعد. أساتذة وخبراء: " الواقع يتطلب حلولا استعجاليه لإنقاذ اللغة العربية " قد تتعرض أي لغة في العالم إلى تهديد يعصف بكيانها أو يؤثر في كنهها وعليه يجب أن تكون قادرة على استيعاب التطور التكنولوجي من جهة واحتكاك أهلها بلغات غيرها من جهة أخرى، وهو ما نبه إليه قبل قرون عمر بن الخطاب إذ قال" إياكم ورطانة الأعاجم" وقد أثبتت اللغة العربية قدرتها على التكيف مع المستجدات عبر مرور الزمن. لكن أن ترشح منظمة اليونسكو اللغة العربية للزوال خلال القرن الآتي بحجة عدم مواكبتها للتطور وكذا لجوء أهلها للتعامل باللغات الأجنبية، ويعلن الباحث اللغوي اللبناني جورج زكي خشيته" ألا يصل الجزائري إلى إتقان اللغة العربية بعد أن ضعفت فرنسيته" فيحق لكل من يمسهم الأمر أن يهولوه ويعيدوا دق ناقوس الخطر من جديد على اعتبار أنه قد دق سابقا. ويترتب على الجهات المعنية أن تتخذ الإجراءات اللازمة لإعادة عز لغة ارتبط بعزة أمة، حسب ما جاء على لسان أهل العلم والاختصاص. إذ ترى الأخصائية النفسية(بلاغ.ي) أن حال اللغة العربية يعود بالأساس إلى شيء مهم هو نقص تقدير الذات، فالثورة التحريرية مثلا تقول ما كانت لتنطلق بتلك الشراسة واليقين بتحقيق النصر لو لم يتم بناء الذات من الداخل بأقوال تشبعت بها الجماهير كقول ابن باديس "شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب" ما ألهم الحماس في نفوسهم، وهو بالذات ما نحتاجه اليوم تواصل كتفعيل استخدام العربية في مجال التكنولوجيا وإشباع أطفالنا بمقوم اللغة.