لا تزال صورة العربي في السينما المعاصرة تثير أكثر من إشكالية على صعيدي النقد والتحليل، فكثيراً ما خضعت للمفاهيم النمطية السائدة التي يحاول الغرب نشرها وترويجها عن العرب، وكثيراً ما نخضع هذه الصورة لمقياس أوروبي ذلك لأن أولئك المخرجين كونوا أفكارهم حول البلدان العربية من خلال كتب الاستشراق الغربية أو أنهم يعملون تلك الأفلام ضمن أغراض إيديولوجية وفكرية مشبوهة ومحددة مسبقاً. والحقيقة أن هناك العديد من الأفلام التي تعرضت للإنسان العربي باعتباره إما موضوعاً رئيسياً أو هامشياً، فهي إما أن تكون واضحة أو متخفية بين ركام الصور التي يتكون منها الفيلم. البدوي العربي .. راكب ظهر فرسه في الصحراء وتهيم به الفتيات... لعل الشكل الأول لما ظهر عليه العربي على الشاشة هو لون الأمير البدوي الذي ينطلق على ظهر فرسه في الصحراء طولاً وعرضاً، وتهيم به الفتيات. ولقد أسهمت الكتابات الرومانية في القرن الماضي في خلق هذه الصورة، ومن ثم انتقلت إلى السينما.وكان أبرز تجسيد لها هي الأدوار التي قام بها، في عهد السينما الصامتة، الممثل الايطالي المشهور (رودلف فالنتيتو) 1895 1926 الذي هاجر إلى أميركا واشترك في عدد من الأدوار ذات الطابع الروماني. ويبقى فيلم (الشيخ) 1921 وابن الشين (1926) حلما لدى الفتيات أن يخطبهن ذات يوم أمير عربي وسيم وينطلق بهن على فرسه في الصحراء، ولقد أسهمت شركات الدعاية السينمائية الأميركية في غرس مثل هذه الأحلام ونشرها، لا حبا بالعربي وإنما للتدليل على بدائيته. " ألف ليلة وليلة"..." رحلات السندباد"... "علي بابا والأربعين حرامي" لعبت حكايات ألف ليلة وليلة دورا هاما في تأثيرها الذي لا يمكن إنكاره على تعدد الأصول الشرقية لهذه القصص فإنها اكتسبت لبوسها الأخير في العربية، فتأثير أجواء ألف ليلة وليلة في الفنون الأوروبية قديما وشاملاً لألوان متعددة ما بين القصة والأوبرا والمسرح والتأليف الموسيقي وغير ذلك، فإن السينما أولى من غيرها بالإفادة منها، خاصة بعد أن تعددت مواضيعها، وصارت الغرابة والطرافة أحد الأهداف الأساسية في صراع شركات الإنتاج السينمائية الغربية للاستحواذ على المشاهدين.وهكذا قدمت السينما الغربية رحلات السندباد البحري أكثر من مرة، غير ملتزمة بالنص العربي، بل مطلقة لخيالها العنان التوفير مجال أكبر للتشويق واستخدام الخدع السينمائية. وكان من هذه الأفلام الفيلم الأميركي الملون آنذاك (رحلات السندباد السبع) 1958 إخراج شارلس شنير. و(رحلة السندباد الذهبية) 1969 للمخرج نفسه، وهو من تمثيل ستيف ريفز الذي اشتهر في الخمسينيات بتمثيل أدوار هرقل. ومن أجواء ألف ليلة وليلة أيضاً كانت الأفلام المأخوذة عن حكايتي (علي بابا والأربعين حرامي) .و(علاء الدين والمصباح السحري). وهناك فيلم فرنسي باسم (علي بابا والأربعين حرامي) أخرجه كلود لارا في عام 1954، الذي مثله الممثل الساخر المعروف فيرناندل واشتركت معه سامية جمال، ومن ابرز الأفلام المستوحاة من ألف ليلة وليلة حكاية (لص بغداد) التي قدمت قديما في أيام السينما الصامتة في سنة 1924 في فيلم من تمثيل دوغلاس فيربانكس.ومن الواضح أن السحر والمغامرة هما محوراه الأساسيان، كما أن صانعيه لم يهتموا بالدقة التاريخية بقدر اهتمامهم بخلق أجواء غريبة على المشاهد الأوروبي، فكانت السفينة المنحدرة في دجلة من بغداد إلى البصرة تسير وسط مرتفعات جبلية، وكانت ملابس الكومبارس خليطاً من الملابس الغربية والهندوسية والفارسية.تتمثل في الأفلام المستوحاة من ألف ليلة وليلة عدة عناصر مشتركة، تحفل بالغرابة، ثم استمرار السحر، ومداعبة الخيال الطفولي. ومنذ قديم كان هناك حديث عن سحر هذا الشرق وغرابته وفنونه. وقد أجهد صانعو هذه الأفلام أنفسهم في التفنن في استخدام الخدع السينمائية.وإذا كانت هذه الأفلام تقدم صورة غير حقيقية عن الشرق، وغير مرغوب فيها في عالمنا العربي، فإنها في الأقل، تنتمي إلى موضوعات تاريخية ومسلمات مسبقة، وبالتالي فإن خطرها أيسر من الأفلام الغربية التي تتناول عالمنا العربي الحديث. الشخصيات العربية في الأفلام التاريخية مهزوزة.. بدون أبعاد.. نادرا ما تظهر شخصيات عربية في الأفلام التاريخية التي تتناول شخصيات حقيقية من التاريخ القديم أو القريب. والقليل منها، يهتم أساسا بشخصيات من التاريخ الأوروبي لحياتهم مساس بالعرب. ولعلنا لا ننسى كي تناولت هوليوود تاريخنا عندما قدمت صلاح الدين الأيوبي في فيلم (ريتشارد قلب الأسد) كشخصية مهزوزة.. بدون أبعاد، وجردت هذه الشخصية العربية من تاريخها المجيد وجسدته كبدوي يصرخ مثل طرزان ويخطف النساء مثل رعاة البقر ويقع في غرام فتاة شقراء لها صفات لا تمتلكها فتاة عربية.هذا بالنسبة لتاريخنا، أما عن حاضرنا، فأرادت أن تعبئ الرأي ضد العرب من خلال فيلم (لورانس العرب) 1962 إخراج ديفيد لين، فيتحول الجاسوس البريطاني (لورانس) إلى أسطورة حية للسوبرمان الأبيض الذي يكره بلاده ويحب الصحراء العربية، وبفضله انتصر الملك فيصل على الأتراك وطردهم من الجزيرة العربية.ولا تنسى هوليوود أن تشوه حركة التحرير العربي، فتناولت الأحداث المرتبطة بثورة السودان 1883 لأجل إبراز مواقف زائفة للجنرال الانجليزي، وحولت الثوار إلى مجموعة من الحمقى والخدم وتجار العبيد. أما موضوع الثورة فقد عولج بضعف في فيلم (الخرطوم) إنتاج عام 1966.كما تنبغي الإشارة إلى الفيلم الفرنسي (الاغتيال)، إخراج ايف بواسيه، الذي تناول قضية اغتيال المناضل المغربي (المهدي بن بركة) على يد الجنرال أوفقير، ولكن بأسماء مستعارة. وقد تجاهل الفيلم المواصفات التاريخية للحدث واهتم بالجانب التشويقي على حساب المواقف الأخرى، لكن الفيلم لم يحمل نوايا سيئة مكشوفة كالأفلام السابقة الذكر. لم تصور العرب إلا كقتلة ...وفق النظرة العنصرية للصهيونية أما الأفلام التي تدور حول القضية الفلسطينية، فقد حرصت هوليوود على تنفيذ إيديولوجيتها التي تعمل على تكريس فكرة الاحتلال في أذهان المشاهدين. لهذا نجد أن هوليوود جنّدت مكانتها الضخمة لصناعة أفلام تخدم السياسة الأميركية. فهي لم تصور العرب إلا كقتلة، مثلما فعلت في السابق مع الهنود الحمر وكما تفعل دوماً مع الشعوب الأخرى. لذلك فإن هوليوود انتخبت في الآونة الأخيرة مجموعة من الأفلام لهذا الغرض، منها فيلم بعنوان (12 ساعة في ميونيخ)، إخراج ويليام كرهام بطولة فرانكو نيرو ووليم هولدن، وهو عن عملية ميونيخ الفدائية.وخطورة هذا الفيلم يعتمد على مادة وثائقية وينطلق من فكرة معاداة العرب وتصويرهم كإرهابيين، والفيلم الثاني هو بعنوان (يوم الأحد الدامي)، إخراج جون فرانكهاير وبطولة مارتا كيلر وروبرت شو، وتدور أحداث الفيلم حول وصول فتاة إلى أميركا لغرض القيام بعملية تفجير ملعب رياضي ثم تتكالب عليها المخابرات الأميركية والإسرائيلية من أجل إنقاذ الجمهور. وفيلم (قراصنة الجو) يشبه هذا الفيلم إلى حد بعيد. وكذلك فيلم (انتصار على عينتابي) إخراج مناحيم جولان، و(90 دقيقة في عينتابي) إخراج جورج روي هيل، و(عملية بوناثان) إخراج فرانكلين شافتر. المفاهيم النمطية السائدة...بائعو مخدرات ..وحوش ... كثيراً ما يطرح المخرجون الأوروبيون مشكلة العربي بصورة هامشية للغاية، لكن هذا الطرح الهامشي يؤدي مفعوله في التأثير على العقل الأوروبي.وهذا الطرح الهامشي نلاحظه في العديد من الأفلام الحديثة التي تعرض علينا في فيلم (لالونا) القمر للمخرج الإيطالي بيرتولوتشي يعالج ابرز مشكلة تواجهها أوروبا وهي مشكلة تفشي المخدرات بين الشباب الأوروبي وإخطار الهيروين على سلوكهم ومجرى حياتهم المستقبلية، ومن المعروف آن المخدرات متفشية بشكل واسع بحيث يعجز المجتمع الرأسمالي عن معالجتها وإيقافها. ويكشف لنا المخرج الاستغلال الذي يعانيه مصطفى من قبل تجار المخدرات الكبار، اذ انه لا يتقاضى سوى نسبة ضئيلة من الأرباح، ومن خلال بيع المخدرات للشاب الأوروبي الصغير (جو) تتكون بينهما علاقة صداقة حالما تكتشفها أمه «كاترينا» وتذهب للتعرف على مصطفى.إلا أن بيرتولوتشي يبرر هذه الشخصية بقوله: «شخصية مصطفى مهمة جدا بالنسبة لكاترينا، لذلك نراها تقصده، وتجد حضوراً أو بالأحرى تجد في مصطفى غريما لحبها الامومي، أو أنه الشخصية المزدوجة لابنها، مصطفى ما هو إلا انعكاس لابنها.. انه الوجه الثالث لشخصية «جو»، إشارة إلى بازوليني الذي بحث من خلال السينما عن البراءة المفقودة في ايطاليا.شخصية «جو» موجودة في روما، في الصور التي منحتها لهذه الشخصية نجده بالتالي ينتقل إلى عالم مشرقي غريب في أحلامي، في أناس الشرق الذين يمثلون لي دائما براءة الغرائز. وعلى الرغم من أن بيرتولوتشي ليست لديه مواقف معادية للعرب سواء في مقابلاته أو أفلامه، لكنه باختياره شخصية العربي كبائع للمخدرات ومصدر لتفشيها في أوروبا لا يصب في النهاية إلا في الدعاية الصهيونية العنصرية التي تسعى على الدوام إلى تشويه وترسيخ المفاهيم والأفكار الخاطئة عن العرب.ولذلك ربما لاقى الفيلم دعما وترويجا واسعين في أوساط النقاد الغربيين لأسباب واضحة، وخاصة إذا ما عرفنا آن الفيلم من تمويل أميركي، أن إمام بيرتولوتشي، بلا شك، الوجه الناصع الآخر لشخصية العربي الذي يعيش في المجتمع الرأسمالي، ويتحمل بالتالي كل أمراضه، وهو صامد في قلب مجتمع مريض. ونكرر ثانية: لماذا شخصية العربي؟فهناك كل قوميات الدنيا على أرض أوروبا! فهل من المعقول أن الشاب العربي مصطفى هو الذي يفسد عقلية الشاب الأوروبي، ويزوده بجرعات يحقن بها ذراعه، أن تفشي المخدرات في أوروبا ما هو إلا مشكلة ترتبط بكل البناء الفكري والأخلاقي والاجتماعي لهذا المجتمع.أما في فيلم «الجلد» للمخرجة الإيطالية أيضا ليليانا كافاني، فقد حاولت أن تظهر الجنود المغاربة كونهم لا يعدون أن يكونوا أكثر من بلهاء ولوطيين ووحوش! ففي مشاهد من الفيلم نرى الجنود المغاربة يتعاملون مع الأمهات الايطاليات لمضاجعة أطفال في العاشرة من أعمارهم..وهم يتفحصون مؤخراتهم كما لو أنهم يشترون خرافاً!! وتحتج على هذا التعامل (اللا إنساني) «ديبورا» الارستقراطية الأميركية القادمة من بوسطن! هذا الموضوع جانبي للغاية في فيلم كافاني الذي تتبع فيه حياة الدمار والفقر والدعارة التي تعاني منها مدينة نابولي منذ احتلالها حتى ساعة تحريرها. ويطرح هذا الفيلم وأفلام أخرى العرب بشكل هامشي. كما أن هذا الطرح النمطي يلقى تشجيعاً كبيراً في الغرب الأوروبي الذي شكل معظم خلفياته الفكرية من خلال هذا الطرح، سواء في السينما أم الأدب أم الفنون الأخرى. ومن خلال متابعتنا لعدد كبير من الأفلام لا يسعنا إلا أن نقول أن الدعاية الصهيونية قد أحرزت نجاحاً كبيراً في هذا المجال، وهو الأمر الذي يستدعي مواجهة جادة لها. ولعل فيلم «براءة المسلمين» خير دليل على التشويه المقصود من ورائه، وهو الذي أثار موجة غضب عارمة وعنيفة في العالم العربي. ولا يزال هذا الفيلم غامضاً لحد الآن، ولم ينشر منه سوى 13 دقيقة في فيلم يوتيوب على الإنترنت.