السؤال: مشكلتي مع ابني، أنه لا ينفذ الأوامر إلا من خلال مكافأة أو وعد بها، وهذه العادة ترتبت نتيجة اتخاذي هذا الأسلوب الخاطئ لتنفيذ الأوامر بأسرع وقت ممكن بغض النظر عن العواقب، أرشدوني ماذا أفعل؟ الجواب: أولا ابنك في الثالثة والنصف من عمره، يمر بمرحلة الطفولة المبكرة، وهي المرحلة الأهم والأخطر في حياته، لأن علماء النفس والتربية يجمعون على أهمية التنشأة الأولى للأطفال، ويؤكدون آثارها في تباين ميولهم واتجاهاتهم وأنماط سلوكهم المختلفة لمستقبل حياتهم، حيث إن هذه المرحلة ترسم الملامح الأساسية لشخصية الطفل المقبلة، ويصبح من الصعوبة تغيير ما تم بناؤه مستقبلاً. تقول الدراسات العلمية أن 70 بالمائة من سلوكيات البشر تبدأ بالتبلور في السنوات الخمس الأولى من العمر. ثانيا قد وجَّهنا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم لاستخدام أساليب التحفيز المختلفة في تعاملنا مع أولادنا، وهي التي تجعلهم يُقبلون على وظائفهم والأعمال المناطة بهم، ويلتزمون بالسلوكيات الحسنة، بنفس راضية، وقناعة ذاتية، وحماس كبير، وإنجاز متميز. ونقصد بالتحفيز هنا التقدير السليم، والمباشر لأعمال أولادنا الحسنة، والاعتراف بجهدهم، والثناء عليهم، ومكافأتهم إن أمكن، فإن إحساس أولادنا بأننا نجيد المحاسبة والعقاب على أخطائهم، ونتقن اللوم والتقريع حين تجاوزاتهم، فإنَّ ذلك كله يؤكد فيهم اللامبالاة والتسيب، ويجعلهم يتقاعسون عن القيام بواجباتهم، ويُصابون بشيء من الإحباط والضيق. ثالثا ومن القواعد التي ذكرها التربويون في شأن المكافأة للأولاد على أعمالهم: - كافئ السلوك الجيد بدون تأجيل ولا تردد، مكافأة شعورية عاطفية، مثل الابتسامة، القبلة، وامتداح الذات والسلوك، أو مكافأة مادية، مثل نقود، الحلوى، الألعاب، والسماح بأمر ما. - لا تقبل مكافأة يشترطها ولدك على سلوك تأمره به، فهي هنا ليست مكافأة بل أجر قد حَدَّده مسبقاً، فلا تقبل أن يشترط الولد مكافأة على سلوك سيقوم به. - احذر مكافأة السلوك السيئ بالمؤثرات العاطفية أو الانشغال؛ فبكاء الولد أو امتناعه عن وظائفه لا يسمحان بالرضوخ لمطالبه غير المقبولة، وانشغال الوالدين عن الولد ليس بمبرر للسماح بما كان ممنوعاً في وقت سابق. - لا ينبغي إثابة الولد على عملٍ يجب عليه أداؤه؛ كواجبه المدرسي اليومي، أو أكل طعامه، أو استحمامه حتى لا يكون نفعيًّا في تعامله مع واجباته. - أوفِ بوعدك مباشرة إذا وعدت بمكافأة، فإن الولد لا ينسى ما تعده به بسهولة. - قَلِّل من العتاب على الأخطاء ما استطعت؛ حتى لا يعتاد ولدك المعاتبة فتكون وعدمها سواء، ولكي لا تسقط هيبة الأب، ولكي لا يتحول الولد إلى العناد لكثرة تكرار العتاب على كل شيء. - عاقب بلا قسوة ولا عنف؛ فالتربية تسير بمجدافي الثواب والعقاب، إلا أن العقاب يجب ألا يتحول إلى إيذاء جسدي أو نفسي فيحيد عن هدفه، وينتهي أثره الإيجابي سريعاً، لتبقى آثاره السلبية في ذاكرة أولادنا، وتؤثر على صحتهم النفسية ومستقبلهم. رابعا - امتنع منذ الآن عن منح ابنك أجراً مقابل قيامه بواجباته، اجلس إليه، بين له أن هذا الفعل خاطئ، وثق أنه يتفهم ما تقوله له جيداً، ولا تحاسبه خلال 15 يوماً على مخالفته لتوجيهاتك دون أجر، حتى يعتاد المسار الجديد في التعامل. - خلال هذه الفترة اجعل من كلماتك، ونظراتك، وملامح وجهك، وإشارة يديك، رسائل إيجابية، فيها من معاني الحب والاشتياق والتقدير ما يُشعره بأهميتها بدلاً من الأجور التي يطلبها. - اعمل على التنويع في أسلوب توجيه طلباتك، لا يلزم أن تكون دائماً أوامر عسكرية صارمة، لتكن أحياناً مغلفة بشيء من الدعابة، اللعب، والمنافسة على الإنجاز، واحترم رغبته في تنفيذ ما يحبه وما لا يرتاح إليه، واحترم كذلك جاهزيته ونفسيته، فإنك بهذا تكسب ودَّه، وتعينه على تحقيق ما تصبو إليه. - تعامل مع ولدك على أنه إنسان ناضج فاهم، أقنعه بمودة وصداقة وهدوء، بين له لماذا هذا الفعل خاطئاً، ولماذا هذا الفعل صحيحا،، ولتكن له في المنزل بيئة مناسبة لممارسة أنشطته، وإشباع حاجاته النفسية، ولتكون سبباً للتقارب بينكما وبينه. - يقول الدكتور سبوك "إننا نعكس توترنا على الأطفال في أحيان كثيرة، فيبدأ الطفل في التمرد على أي أمر نصدره إليه"، فحين إصدارك للتوجيهات ينبغي أن تكون نفسك صافية، لا ضيق فيها ولا توتر، لأن ذلك مدعاة ليكون طلبك لطيفاً، وقبول ولدك لطلبك جميلاً. وفقك الله لكل خير، وبارك لك في ولدك وزوجك ومالك، وأسعدكم في الدنيا والآخرة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.