تحدث "أبو الفضل محمد بن هندة" أستاذ العلاقات الدولية، ورئيس الرابطة العربية والفرنسية للتعاون العلمي في حوار خصّ به الأمة العربية، عن التدين في المجتمع الفرنسي، وكيف أنه في ارتفاع مستمر من خلال مشاركة المسلمين في مختلف دواليب السلطة، الأمر الذي اعتبره ضمان لتقوية النسيج الاجتماعي الفرنسي ودعم للإسلام والمسلمين في الغرب. داعيا في نفس الوقت إلى ضرورة تحديد الخطاب الإسلامي الدعوي، وفق آليات الحوار التي تسمح التقريب بين الثقافات والحضارات والأديان. الأمة العربية: باعتباركم من المؤسسين للعمل الإسلامي في فرنسا، هل لكم أن تحدثونا عن التجربة الإسلامية في فرنسا؟ أبو الفضل محمد بن هندة: سأحدثكم على ضوء تجربتي الخاصة، وما يمكن قوله هو أن العلاقات بين فرنساوالجزائر قديمة جدا تعود إلى القرن السادس العشر، إلى غاية أن عرفت فرنسا نهضة إسلامية حقيقية كانت نتاج استقلال دول المغرب العربي. ومن المعلوم أن فرنسا أصبحت تحتاج إلى أعداد كبيرة من العمال، وتعزز ذلك بفضل اتفاقيات إيفيان، حيث إن الجزائر هي الأخرى أضحت ترسل بعثات من الطلاب لإتمام دراستهم بفرنسا، وهذا كله كان له الأثر في بروز تواجد إسلامي بفرنسا، لأن هؤلاء العمال والطلبة كانوا يمارسون الشعائر الإسلامية، ومن ثمّ تكوّنت جمعيات وتكاثرت كرابطة الطلبة الإسلاميين في فرنسا، وأخرى التي أصبحت تدعو إلى التمسك بالشخصية الإسلامية في أوساط العرب والمسلمين، وهذا من خلال فتح مساجد ومصليات، حتى بلغ عدد المصليات حوالي 1000 مصلى، إذ لا تكاد تخلو مدينة فرنسية من وجود مسجد أو مصلى. - هل يمكن اعتبار مثل هذه الجمعيات والمؤسسات الدينية مؤشرات على تزايد انتشار الإسلام في فرنسا؟ * نعم، تزايد عدد المسلمين في فرنسا، تمخض عنه اهتمام الحكومة الفرنسية بالإسلام والمسلمين، وبدا ذلك جليا في السياسة الفرنسية من خلال مشاركة الجالية الإسلامية في الانتخابات، طبعا هذا كله كان نتيجة عدة محاولات قامت بها فرنسا، مثلا جسكودستن وزير ديجو المكلف بالهجرة الأجنبية بفرنسا الذي دعا لتنظيم رسمي للمسلمين بداية 1975، لكن آنذاك لم تكن الحكومة الفرنسية جادة، وتوالت الأحداث مع محاولة شفنمان التي باءت بالفشل، إلى غاية تعيين ساركوزي وزيرا للداخلية الذي حاول جلب ودّ ودعم المسلمين في فرنسا، من خلال إعادة إحياء فكرة تنظيم الإسلام والمسلمين في فرنسا، فجمع كل الجمعيات الإسلامية في اجتماع، ونتج عن ذلك مجلس الديانة الإسلامية في فرنسا. - في ظل تداعيات العولمة، كيف يتفاعل المسلمون في فرنسا مع العلمانية، خاصة مع الحملات الشرسة والمشوِّهة للإسلام في الغرب؟ * ينبغي أن ننوّه أن فرنسا بلد الحريات والقانون، وتسمح بتأسيس الجمعيات للجميع دون ضغط، بحكم أن السياسة الفرنسية تفصل بين الدين والدولة. وبشأن الحملات المشوهة للإسلام يمكن أن أرجعها ضمن سياسة الكيل بمكيالين، حيث تتخذ الحكومة الفرنسية الحرية ذريعة للتهجم على الإسلام، لكن إذا تكلّم المسلمون ضد من يشوهون الإسلام، يقولون هذا معادي للحرية، وعلى ما يبدو لي فالإسلام أخذ يحتل مكانته في فرنسا، لتطور العلاقات بين الدول العربية والغربية. - في تقديركم هل يمكن أن تتحوّل الجالية الإسلامية في المهجر، من الجالية المغلوبة إلى الأقلية الضاغطة؟ * هذا تعبير تجاوزه الزمن، لأن المسلمين في فرنسا موجودون بقوة القانون، ولاشك أنهم يؤيدون وينظرون بارتياح كل ما من شأنه أن يعزز موقفهم في بلاد المهجر، لاسيما وأن الكثير من البلديات تؤيد المسلمين في فرنسا للتمسك بدينهم وتمنحهم التسهيلات لبناء المساجد والمدارس، مقابل الحصول على الأصوات في الانتخابات. - ما رأيكم في محاولة بعض المثقفين الفرنسيين الذين يدعون بعد 11 سبتمبر لتنظيف الإسلام من شوائبه، دون الإشارة للتشويه الذي يعرفه في الغرب؟ * هذه المحاولات كما ذكرنا سابقا باءت بالفشل، رغم أن بعض وسائل الإعلام حاولت تأييدهم، لكن حاجة فرنسا للسلم الاجتماعي دعت للحد من تلك التصرفات الخاصة بالاعتداء على المساجد، والمقابر، وبرز هذا التحسن من خلال مشاركة المسلمين في دواليب السلطة، مثل منصب وزير العدل وبعض الولاة الجزائريين. - هل ما نحتاجه اليوم هو خطاب إسلامي جديد؟ * نعم، نحن نحتاج لتحديد الخطاب الإسلامي من وجهتين، من ناحية الخطاب في حد ذاته، ومن جهة أخرى للدعاة الذين يقومون بهذا الخطاب، الذي ينبغي أن يتميز بالوسطية والاعتدال، وكذا المرونة، التيسير وبالأخص الحكمة، لأن التعايش بين الديانات واللغات صار اليوم أكثر من الضروري من أي وقت مضى.