يقدم الكاتب والإعلامي والناقد جمال غلاب انطباعه حول تظاهرة الربيع الأمازيغي بأنه مجرد حدث كبقية الأحداث التي عرفتها الجزائر مشيرا إلى أن هناك أحداثا أعمق وأقوى عرفتها الجزائر ورسالتها أقوى من الربيع الأمازيغي، ويؤكد جمال غلاب بخصوص ما يحدث في الساحة العربية أن هذه الأحداث لن تؤثر على الوضع الداخلي للبلاد وأنه في الجزائر لا مجال لمقولة " إرحل" لأن الشعب الجزائري مطالب ببناء وطنه وترقية أمته، وأن المسؤولية كما قال "مشتركة" وما على المسؤولين في السلطة فقط أن يوفروا المناخ الملائم لعودة الأدمغة الجزائرية المهاجرة حتى يكتمل بناء مشروع الجزائر، جمال غلاب فتح قلبه ل"الأمة العربية" فكان لها معه هذا الحوار القصير. قيل أنكم من هواة جمع الكتب، فكيف جاء اهتمامكم؟ منذ الصغر عشقت الكتاب وعلى مدار الثلاثة عقود الماضية كنت لا أعود إلى بيتي إلا وأنا محمل بكتب، وتبعا للدعوات التي ترد إلى من حين لآخر من دول عربية وأجنبية إضافة إلى الملتقيات الوطنية ففي هذه الفضاءات الكثير من المبدعين يهدون لي مؤلفاتهم، وبهذه الطريقة صار بيتي عبارة عن مكتبة ...حتى أن زوجتي صارت تتضايق من هذه المكتبة ومرة صارحتني بقولها : لو وجهت اهتمامك إلى جمع الثروة بدل هذه الأوراق، لكان حالنا أحسن، وفي الحقيقة أنا لم أنزعج من كلامها، لأن واقع سلم القيم الاجتماعية تغير، ولم يعد لا للمثقف ولا للثقافة ولا للكتاب قيمة مادية ومعنوية . تعيش الجزائر حركة ثقافية من خلال تظاهرة شهر التراث، فكيف ترون هذه التظاهرة، وهل هناك إمكانية إحداث تزاوج ثقافي للحفاظ على هذا الموروث خاصة بعد إحياء الذكرى ال 31 للربيع الأمازيغي؟ بخصوص ما أصطلح عليه بشهر التراث، اعتقد أن هناك خلطا في المفهوم للتراث في حد ذاته، لأن المقصود من رسالة التراث هو التواصل بين أجيال وبين حقب زمنية وبين خبرات، وكل هذا يصب في الشخصية الوطنية، والمواطن الجزائري عندما يقف على هذه التراكمات الثقافية والحضارية فإن أول رسالة نكون قد غرسناها فيه هو الاعتزاز بماضي أجداده وبوطنيته الثرية بالقيم النبيلة، لكن للأسف أن ما يحدث اليوم هوتسييس لهذا التراث في تجسيد القطيعة في هذا التواصل وإذن لماذا كل هذه الهالة للربيع الأمازيغي؟ وكأن الجزائري لم يكن له وجود إلا من خلال هذا الربيع الأمازيغي ؟ ثم من يكون هذا الربيع الأمازيغي؟، إنه مجرد حدث كبقية الأحداث التي عرفتها الجزائر بل هناك أحداث أعمق وأقوى عرفتها الجزائر ورسالتها أقوى من الربيع الأمازيغي، آخرها أحداث 05 أكتوبر 1988، وحتى نعطي لشهر التراث بعده الحضاري، فمن الظلم أن نربطه بالربيع الأمازيغي ورأي هذا ليس مبعثه الخواء فلو عدنا إلى قراءة حدث الربيع الأمازيغي نجده ليس له علاقة بالتراث، بل هومجرد مطالب سياسية تتعلق بالحرية والديمقراطية وبالتالي يمكن تصنيفه في خانة التأسيس لأحداث 5 أكتوبر 1988.
كيف نحقق الفعل الثقافي في رأيك وما هودور "النخبة" في تفعيل الثقافة وإحداث التغيير في البلاد؟ يجب أن نتفق على مفهوم الثقافة، وبعيدا عن كل التعريفات نجدها تتلخص في "رؤية" ومن خلال هذه الرؤية نتطلع إلى المستقبل، ومن يصنع هذه الرؤية هم النخب الثقافية، لكن للأسف فإن هذه الطبقة اليوم مشتتة أو مغيبة، ويمكن قراءة هذا الحكم في ممارسات وزارة الثقافة وعلى مدار 10 سنوات الماضية فأول إنجاز حققت وبامتياز أنها شردت المثقفين وقاطعتهم، وكأنها بذلك تريد ثقافة بدون مثقفين، وتبعا لرأي الناقد الجزائري حمري بحري بقوله...نريد وزارة ثقافة للمثقفين وليس وزارة من جيش للإداريين، هذه الحقيقة المرة أثرت على مشهدنا الثقافي بحيث صار ممزقا وغير قابل للترميم، ولخلق فعل ثقافي بمشهدنا الثقافي يجب محاصرة البلطجية وطردهم من مراكز القرار، وهذا يتوقف عند نية السلطة إذا كانت فعلا تريد لهذا الشعب أن يتثقف، وبصراحة الثقافة في الجزائر تعيش وضع كارثي وتحتاج إلى قرار سياسي لإنقاذها، على غرار القطاعات الأخرى. يقال أن غياب "المثقف" وكذلك الأحزاب السياسية هو من أوصل البلاد إلى هذه الحال ما رأيكم؟ في الحقيقة التي لا رأي فيها لا المثقف غاب والسياسي أيضا وإنما تم تغييبهما، وإذا أردت سوف أذكرك في 2 ماي 1998 عقدت ندوة دولية بفندق الأوراسي، وحضر الندوة أكثر 37 سفيرا أجنبيا إضافة إلى مثقفين أجنبيين، وفي هذه الندوة أعطى المثقف الجزائري رأيه في الأزمة الجزائرية ولحلها طالب بالذهاب إلى مصالحة وطنية، ومن باب الافتخار أنني كنت عضو بلجنة تحرير البيان لهذه الندوة والتسجيلات ما زالت بالتلفزة الوطنية لمن يريد الاطلاع، نعم يرجع الفضل للمثقف الجزائري الذي فضل عدم الارتماء في أحضان السلطة وواجهها بحزم بغية إصلاح اختلالاتها على حساب مصالحه وحقوقه المشروعة، وأنحاز كليا إلى مصالح الأمة والوطن، ولهذا السبب المثقف الجزائري اليوم لا نكاد نقف له على أثر بسبب غلق المجال الإعلامي في وجهه وتهميشه وإقصائه من كل مفاصل الدولة الجزائرية، وخلاصة هذا البيان أن من أسباب الاقتتال هو العنف اللفظي الذي يؤدي إلى العنف الجسدي وأوصى الإعلاميين بتجنب العنف اللفظي، وفي هذه الندوة أيضا فهم الأجانب الأزمة الجزائرية أنها أزمة داخلية ويجب حلها من طرف الجزائريين وبدون إملاءات أجنبية . وبخصوص الأزمة التي عرفتها الجزائر وكمتتبع لشأن بلادي أرى أن المسؤلية مشتركة، السلطة في بداية التسعينات أوقفت المسار الانتخابي، وعند مراجعتها لأخطائها مع مجيء زروال في 1994 بعضا من قيادة الفيس المنحل لم يقدروا هذا الاستدراك، ولتأكيد انطباعي هذا أنه عشية إعلان الاستقالة من طرف الرئيس لمين زروال اتجهت رفقة بعض المثقفين والسياسيين لمطالبته بالتراجع عن الاستقالة في قصر المرادية والتسجيلات مازالت بالتلفزة الوطنية لمن يريد الاطلاع، وحينها كان رد الرئيس زروال كتالي: جئت في 1994 بنية أنني أتولى وزارة الدفاع وقد توجهت إلى حيث شيوخ الفيس المنحل بسجن البليدة وبلغتهم بالتالي : احترموا الدستور وقوانين البلاد وإليكم الساحة لممارسة حقوقكم السياسية والمدنية فكان ردهم الرفع من سقف المطالب إلى محاسبة كل الذين في السلطة، انتهى قول الرئيس لمين زروال، وهكذا ضاعت فرصة المصالحة بين النظام والشركاء السياسيين، ومن دفع الثمن غاليا هم أبناء الشعب، والآن وبعد أن مرت هذه المرحلة الدموية والصعبة، أمامنا الكثير لقيام به وهذا يتوقف على جدية تنفيذ حزمة الإصلاحات التي أعلنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وهل ما يحدث في الساحة العربية قد يؤثر على الداخل أقصد الجزائر؟ ممكن أعيد صياغة سؤالك على المنوال التالي ؟ هل ما يجري في العالم العربي من ثورات خلفيته 5 أكتوبر 1988؟، أقول أن الجزائر لم تتوقف بها الثورة فإلى غاية هذه اللحظات الثورة في الجزائر مستمرة ولن تتوقف إلى أن يحدث التغيير الشامل، ومسيرة التغيير التي خاضتها الجزائر كلفت الجزائريين الكثير، من الدماء والدموع والتدمير للمنشآت القاعدية 200000 قتيل وأكثر من 20 مليار دولار خسائر وغلق المعامل والمصانع وتسريح مئات الآلاف من العمال، كل هذا دفعه الجزائريون ضريبة من أجل التغيير، ولذلك لا يجب تقيز ما جرى في الجزائر، ومع احترامي لما جرى في تونس ومصر، استغرب كيف البعض يقارن ثورتنا بثوارات والتململ الذي يجري في العالم العربي ؟ تابع الشعب الجزائري خطاب رئيس الجمهورية، كمثقف ما هي انطباعاتك حول الخطاب، وهل أنتم مع مقترحاته فيما يخص مستقبل البلاد؟ خطاب رئيس الجمهورية لم يحمل الجديد هوفي الحقيقة أعاد قراءة حزمة الإصلاحات التي كانت مجمدة منذ الاستفتاء على دستور 89، حزمة هذه الإصلاحات كانت معطلة لأسباب أمنية وما كانت تعانيه الجزائر من أزمات، الآن وبعد أن استتب الأمن، وتحسن الوضع الاقتصادي لم يعد أي مبرر في التأخر للشروع في تنفيذ هذه الإصلاحات، وكنا نتمنى من رئيس الجمهورية وقبل الشروع في الإصلاحات القيام بحل البرلمان الفاقد للشرعية، لأن هذا البرلمان ليس له الشرعية الكاملة من التفويض الشعبي لكي يقوم بالإصلاحات، ونتمنى من ذوي العمامات الكبيرة في السلطة أن يستدركوا الموقف من خلال البحث عن آليات أخرى لإنجاح الإصلاحات، لأننا بصراحة صرنا قاب قوسين أوأدنى من الوصول إلى بر الأمان، وكم تمنيت أيضا لوأن رئيس الجمهورية سارع إلى ضبط قائمة المجلس التأسيسي لإعداد دستور جديد من خلال حل كل المجالس غير المنتخبة، والإعلان عن مرحلة انتقالية وهومن يتولى تسييرها ورعايتها قصد حل الأزمة السياسية التي تعاني منها الجزائر منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا، وحل مشكل الشرعية في الجزائر له ايجابياته في تكريس العدل، وأنا من هنا أطمئن الجميع لا مكان لمقولة ارحل ولا أحد وحيثما كان يقول للآخر ارحل، بل وضعنا الحالي في الجزائر هلموا جميعا لبناء الوطن ولترقية الأمة وبدون مزايدات. ماهي رسالتكم إلى "المثقف" الجزائري أوبالأحرى إلى "النخبة"؟ الجزائر تتوفر على نخب ثقافية ولها القدرة على خدمة الأمة، وعند التكلم عن النخب الجزائرية فلا يجب حصرها في حدود الوطن، لأن عملية الحصر والاقتصار على نخب الداخل، الفعل في حد ذاته يعتبر بمثابة إقصاء للنخب الجزائرية التي في المهجر، وهؤلاء عشقهم لوطنهم ولشعبهم يفتح فضاءات كثيرة للتطور إذا ما حاولنا استثمارهم حق الاستثمار وقد يطول الوقت لذكر مهارات هذه الأدمغة المهاجرة في مختلف مناحي الحياة وهي بالمئات أن لم أقل بالآلاف، ولجلب هذه الأدمغة يجب أن نكون واقعيين في أطروحاتنا السياسية فقبل التفكير في جلبهم يجب خلق المناخ الذي يرغبهم في العودة وهذا لا يتأتى إلا من خلال تحسين وضع النخب الثقافية المحلية.. ومن باب الاعتراف لأهل الفضل سأدرج رؤية جزائرية مقيمة بالمهجر عبر تساؤلها: لماذا المدرسة لا تفتح باب الحلم وتركز على المستقبل لتلاميذها ؟ ولماذا مؤسساتنا الثقافية وحتى الرسمية تركز على الربيع الأمازيغي أكثر من أي شيء آخر يخدم مستقبل الجزائر ولماذا كل هذا الولع بالماضي، مثل هذه الرؤى تحمل في طياتها منافذ للإنقاذ وساحات رحبة للعقل الجزائري لكي يبدع وينهض ؟ا ومادام مثل هذه النخب متوفرة في الداخل والخارج فان أول سؤال يتبادر إلى الذهن هو: أين مكمن الخلل لتجاوز معضلة غياب المثقف أوالنخب الثقافية ؟ فلا بد من الإقرار أن هناك قانون حالة الطوارئ غير معلن ويجب رفعه على الثقافة والمثقف،وكل الغاية من هذا للخروج من مأزق أن السلطة هي التي تسوق المثقف وليس النخب الثقافية ؟ والمطلوب من المثقف أن يبادر متى رفع عليه قانون حالة الطوارئ.
كلمتكم ل"الأمة العربية" أوجه شكري لجريدة "الأمة العربية "التي فتحت لي صدرها، وأتمنى أن تكون صوت كل الأمة العربية والأم التي تحمل هموم أبنائها وتشاطرهم مشاكلهم وطموحاتهم من أجل خدمة الوطن وترقيته. جمال غلاب هوكاتب وناقد له الكثير من المؤلفات مقاربات في جماليات النص الجزائر ي الناشر اتحاد الكتاب الجزائريين سنة 2002 وآخر مؤلف سرفنتاس في الحامة الناشر وزارة الثقافة الجزائرية اشتغل بالصحافة أكثر من 20 سنة وشارك بالكثير من الملتقيات الدولية والوطنية وآخر مشاركة له في المهرجان الدولي للكتاب في فرنسا، يقول إنه ليس لديه في الوقت الحالي أي انتماء سياسي.