شهدت قاعة المسرح الوطني محي الدين بشطارزي، نهاية الأسبوع الماضي، العرض الشرفي لمسرحية "الرجل العاري"، للمخرج الجزائري بلقاسم عمار محمد، حيث جاءت المسرحية بنص قوي كان تعبيرا عن معاناة الإنسان الفلسطيني الذي استفاق فوجد نفسه بلا أرض، بلا بيت وبلا هوية، وهو ما نجده دوما في كل كتابات صاحب النص الكاتب، وديع سمندر، الذي يقول عن نفسه "كل من يعرفني ويقرأ لي يدرك أن همومي تشمل هذه الرقعة الممتدة من قلبي حتى أطراف الأرض". لم يبدأ العرض من على الخشبة، وفضّل المخرج أن تكون البداية من داخل القاعة، بين مقاعد الحضور، حيث دخل صانع العرائس، وبدأ في قول الحكم والألغاز، التي أعلن بها عن انطلاق العرض المسرحي الذي رفع فيه الستار مسبقا على خلفية مظلمة، بينما استغل صانع العرائس المساحة الأمامية للخشبة، ليعرض مشهدا من مسرح الحلقة، من خلال تقمصه لشخصية "الڤوال"، الذي يقول الحكم والأمثال الشعبية المتداولة في الأوساط العامة، والتي جعلت منه على مدى العصور شخصية هامة ومحط اهتمام لدى فئات المجتمع. يتحرك قادة بن سميشة مؤدي الدور، بتلقائية على الخشبة، ويتحدث إلى الدمى والعرائس بطريقة نالت إعجاب الحضور، ومن دون أي ربط ينتقل العرض إلى المشهد الثاني، حيث تضاء الخلفية، وتظهر أمام الجمهور طاولة القاضي، إلى جانبه المدّعي العام وكاتب العدل، أمامهم مجموعة من العرائس تنتظر النظر في قضاياها، حتى دخل رجل مجهول إلى القاعة، وقطع عمل المحكمة، وطلب من هذه الأخيرة النظر في قضيته. وبالرغم من كل محاولات هيئة المحكمة في تأجيل قضيته، إلا أنه يأبى إلا رفع اتهاماته وشكواه إلى المحكمة، التي بدورها لم تتوان في توجيه قائمة من التهم إليه. ومن تعطيل عمل المحكمة والدخول عنوة، إلى تهمة السرقة والانحراف لأنه لا يحمل بطاقة هوية، إلى العصيان والتمرد، والانخراط في الجماعات الإرهابية لأنه انتفض رافضا للاحتلال، والبقاء خارج هويته، إلى تهمة قذف هيئة المحكمة بالرشوة، والخيانة. كلها تهم اتخذ القرار بموجبها بوجوب الزجّ به داخل السجن، وإخلاء المحكمة لعقد جلسة سرية، دون شهود، عن مصير هذا الرجل الذي أدى دوره ببراعة الممثل سفيان عطية. ومع ذلك، ظل الرجل يتحدث عن قضيته، ويتهم كل من صمت عن الحقيقة، ومن باع القضية، حتى يتجلى إلى هيئة المحكمة ماهية هذا الرجل. إنه فعلا صاحب القضية، المسلوب الهوية، والأرض والحياة، لكن قدومه كان مفاجئا، الوقت غير مناسب لظهوره، بعد أن ماتت ضمائر الجميع، وبيعت القضية في المحلات التجارية الأمريكية، وعرضت على مزادات اليهود من يشتري بأعلى الأثمان أو أبخسها، ولكن السؤال "من قبض الثمن؟ يجتمع قاضي المحكمة الذي أدى دوره رضا تخريست، والطاهر لاني في دور المدّعي العام، رفقة رجل الأمن رمضان حمودي، ورجل الأعمال الممثل حسين بن شميسة، يستمعون لأقوال صاحب القضية، يحاولون إقناعه بأن الوقت لا يزال غير مناسب لمطالبته بحق العودة، لكنه يرفض كل عروضهم، ويتمسك بحقه.. وهنا لا يجدون أمامهم من خيار إلا أن يحولوه إلى "فزاعة" حتى لا يقتلوه ويتحول إلى شهيد، كما لم يشاءوا الإبقاء عليه حيا، حتى لا يجد من يسانده في قضيته، لذلك فإن تحويله إلى فزاعة، هو أسهل الأمور وأعقلها. المخرج "بلقاسم عمار محمد" كان موفقا في طريقة الطرح، وخاصة استعماله للڤوال، وكذلك عرائس "القرقوز" لإيصال فكرة العرض، وبأداء موفق لجل الممثلين، الذين انسجموا مع أدوارهم، ورغم ذلك لم يوفق المخرج في منع الملل من التسرب إلى العرض المسرحي، ولم يبحث عن أي طريقة لكسره، والذي أظهر أن المسرحية التي عرضت في قرابة الساعتين، جد طويلة، ومحشوة بالأفكار والرسائل. من جهته، وظف مراد بوشهير، ومساعده رابح راربو، ديكورا بسيطا وإيحائيا من خلال عرض ثلاث لوحات فوق الخشبة، إضافة إلى استعمال موسيقى العود المصاحب للعرض، ولكن العرض لم يخل من الأمور الطفيلية التي لم تزد إلا في حشوه، فنجد في مشهد تحويل الرجل إلى فزاعة، يستعمل موسيقى شعبية يرقص عليها كل من القاضي، والنائب العام، وصانع العرائس، فجاء المشهد منفصلا ومستقلا عن باقي المشاهد، ولم يأت بأي إضافة فنية إلى العمل؛ ثم تلاه مشهد صانع العرائس وهو يستيقظ من نومه، ليكتشف أنه كل ما رآه كان حلما، ثم ومن دون مقدمات تدخل أغنية الفنان الكبير محمد الباجي "يا أرض فلسطين" التي شارك في أدائها كل الممثلين وبها وضع بلقاسم عمار محمد النهاية لعمله المطول، والتي لم تكن موفقة وجاءت بطريقة سطحية، وكذلك لم تقدم أي إضافة فنية للعمل.