يتفق الجميع على أن سنة 99 كانت ميلاد الجزائر الآمنة المستقرة، و كان من الطبيعي أن يحدث الاتفاق بين أبناء الشعب، الذي التف وراء مشروع المصالحة الوطنية و نبذ ثقافة العنف و إسالة الدماء، صار المسرح السياسي في الجزائر مؤهل للوقوف أمام الدول الأجنبية، غير ان هذا المسرح اليوم معرض للعودة إلى نقطة الصفر و تكرار سيناريو 91 حسب بعض المتتبعي المتشائمين، إذا ما لم يحدد الإسلاميين خطابهم السياسي و توضيح موقفهم من النظام الجزائري و إستراتيجيتهم و برنامجهم، لاسيما و الحرب اليوم على ما يبدو بين أصحاب العمامات جلية للعيان. التعامل مع الانتخابات غيّر كثيرا من شكل و طبيعة التوازنات في الجزائر، بعودة الإسلاميين إلى الساحة السياسية، و توقع ثورة "دينية" و ساهم في هذه العودة القوية انتصار الأحزاب الإسلامية الإخوان المسلمين في مصر و حزب التنمية و العدالة في المغرب، و عودة حزب عبد الله جاب الله في الجزائر، الأمر الذي أثار تخوف بعض الأحزاب السياسية المحسوبة على التيار الإسلامي و على رأسها حركة مجتمع السلم التي يتزعمها أبو جرة سلطاني في عهدته الثالثة، و قد شعر هذا الأخير بالخطر الذي يحدق به كوصي ع التيار الإسلامي و توقع خسرانه الرهان ، فسارع إلى الانفصال عن التحالف الرئاسي و تشكيل ما اسماه نحالف إسلامي و خوض المعارك القادمة ، و أخذه الأهمية الجيوسياسية لموقع الجزائر التي كدولة متوسطية تتوسط بلدان المغرب و تعتبر منفذا إلى إفريقيا, ويرجع قرار رئيس حركة مجتمع السلم إلى التخوف من عودة حزب جاب الله الجديد و الذي تحصل على ترخيص من الداخلية لعقد مؤتمره التأسيسي الذي يسمح له بدخول تشريعيات ماي 2012 ، لاسيما و ان هذا الأخير يحظى بشعبية واسعة في العديد من الولايات، و هذا يعني أن "الإسلاميين" ما زالوا يطمحون في أن يمسكوا زمام السلطة و إجراء مراجعة نقدية للمسار النضالي الديمقراطي للجزائر والتنقيب عن نقاط الضعف و الثغرات في البناء و التوجهات. و هو ما لم يرض البعض و هي الفئة الرافضة لهذا التيار أو بالأحرى متخوفة من الطريقة التي ستدخل بها الانتخابات، و تكرار سيناريو 91 ، لاسيما و الإسلاميون لم يحددوا بعد أسلوب خطابهم السياسي، إذا ما سيكون خطابا معتدلا أو متطرفا، لاسيما و التجربة التي عاشتها الجزائر طيلة العشرية السوداء بعد مغامرة "الفيس" و الجماعات المسلحة جعلت شرائح غير هينة من الشعب الجزائري غير متقبلة للخطاب الإسلامي، و تطالب بالخطاب الحقيقي المتضمن في رفض العودة الى هذه المرحلة و التجاوب مع يتناسق و أمن البلاد و وحدة التراب الوطني، و الحفاظ كذلك على الهوية الوطنية العربية و ألإسلامية بما في ذلك الأمازيغية، حتى تكون المشاركة واسعة في صنع القرار. و في ظل تناقض الخطابات السياسية بين التيارات الإسلامية، رغم توحد أهدافها، فإن الأمور تزداد تعقيدا أمام الانقسامات التي تشهدها الأحزاب السياسية الأخرى سواء بالنسبة لتقويمية حزب جبهة التحرير الوطني التي يقودها صالح قوجيل، و حركة الصحوة التي يترأسها جمال سعدي، و هي جناح آخر خرج من رحم "الأفلان"، كذلك حزب بلعيد عبد السلام شعارها تصحيح الاعوجاج الواقع داخل الحزب العتيد و الصلح بين المتخاصمين أي بين الأمين العام للحزب الحالي و المنشقين ، و الملاحظ أن هذه الأزمة يعيشها كذلك حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يتزعمه أحمد أويحي، و الذي وجد نفسه في مفترق الطرق بعد تأسيس بن بعيبش الأمين العام الأسبق ل"الأرندي" حزبه الجديد و تمكن من جمع شريحة كبيرة من أبناء الشهداء المنضوية تحت لواء حزب أويحي و أفرغ وعاءه الانتخابي، و نشير هنا ان هذا الأخير هو اليوم في موقف حرج ، كون أغلب الأحزاب أصبحت تطالب بحكومة محايدة من أجل الحفاظ على شفافية الانتخابات و نزاهتها، و تشكك منذ الآن بتزويرها الانتخابات ، كذلك بالنسبة لحزب موسى تواتي و سعيه في إيجاد مخرج لوضع حد للذين انقلبوا عليه من التقويميين داخل حزبه. وعلى النقيض يرى أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني عبد العزيز بلخادم الحامل للفكر الإسلامي الوطني أن الحل اليوم قبل الغد هو دعوة كل أفراد الشعب لتدارك الموقف و تحمل المسؤولية التاريخية و الحضارية لإنقاذ الوطن من ربيع عربي قادم و عدم السماح بعودة الجزائريين إلى العشرية السوداء، و أراد بلخادم بذلك القول أن الحل لا يكون ب"الكلاش" و لا بالمواجهة، بل باستكمال بناء الدولة الجزائرية الحديثة في إطار المبادئ الإسلامية و الاختيار الديمقراطي و هذا من أجل الحفاظ على استقرار مؤسسات البلاد، التي دفعت الضريبة من أجل ان تبقى حرة. المراقبون يرون أن الذين ينادون بالقطيعة أناس منهزمون، و يقتاتون من جثث الأبرياء الذين كانوا ضحية الإرهاب الهمجي، و يريدون إشاعة فكرة أن الانتخابات ستكون "مخيطة" على المقاس و مزورة، و هو ما ذهب إليه الأمين العام ل"الأفلان" عبد العزيز بلخادم بأن هؤلاء يريدون خلط الأوراق، و يمكن وصفهم بدعاة "الفتنة"، مستطردا قائلا: إن التعددية لا تخيف الجبهويين، لأن "الأفلان" كان السباق إليها، و هو لا يخشى الإسلاميين لأنه حامل برنامج قائم على أسس نوفمبرية في إطار المبادئ الإسلامية و هذا يعني ان حزب جبهة التحرير الوطني يعتبر تيار إسلامي و ذو مرجعية إسلامية كذلك, و هو ما ذهب إليه العديد من المختصين في تاريخ الجزائر و الثورة الجزائرية على أن جبهة التحرير الوطني تعتبر تيار إسلامي، لأن الإسلام مثل الإطار العام لبيان أول نوفمبر، المنبعث من جذور العربية الإسلامية لا مذاهب أجنبية. ومن خلال ما يجري الآن و الذي يمكن دعوته ب " الأدوار التاريخية" المتعاقبة، فإن "الأفلان" اذا اراد كسب الرهان، فذلك لن يأتي بسهولة نظرا للمعارضة القوية، و هذا يتوقف على التجنيد القوي لقواعده النضالية و في اختيار المترشحين الأكفاء و الذين يملكون جرأة الطرح و معالجة قضايا البلاد، واستبعاد ما يوصفون بالديناصورات"الوجوه القديمة" و في كل هذا و ذاك فالصراع أصبح اليوم بين أصحاب "العمامات" البيضاء، و هم الثلاثي "عبد العزيز بلخادم ، أبو جرة سلطاني و عبد الله جاب الله"، و الصندوق وحده الذي سيضع القلادة على صدر الفائز في الانتخابات. وفي انتظار هذا الموعد الذي حددته وزارة الداخلية منتصف ماي 2012، فقد خصصت وزارة الداخلية ما لا يقل عن 118 ألف صندوق شفاف من صنع جزائري حسب ما كشفته مصادر، لضمان شفافية الانتخابات، و منع عملية التزوير، و في هذا المواعد يقف الناحبون عند الصندوق و ليس بينهم و بينه سوى ضمائرهم يختارون بكل حرية و تجرد من يمثل تطلعاتهم و حاجاتهم و مطالبهم المباشرة و يفصح عنها على أفضل وجه و صقل أحلامهم و طموحاتهم و استعراضها باستمرار.