يرى الكاتب والإعلامي الأستاذ، كفاح جرار، أن وفاة عميد الحركة الوطنية عبد الحميد مهري والأمين الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني كشفت أن الجزائر بفقدان رجل في وزن مهري ليس بإمكانها أن تجد رجلا مثله، حتى لو صورت آلاف النسخ منه، وكأن الرجل الكبير الذي غادر الحياة وهو غير آسف عليها، كان في المريخ ثم فجأة... عاد إلى أرض الوطن، ليكتشفه الجميع لاحقا، و استطرد كفاح جرار: "معيب ومخجل ما وصلنا إليه في التعامل مع شخصية بحجم الراحل، كانت زوجته قد سبقته إلى بارئها والرجل يعيش ضائقة مالية، لم تكن خافية على من يعرفون، ورغم ذلك، فقد قضي الأمر الذي فيه قد نفتي ونقول، ولكن رحيل الجسد لا يعني أبدا رحيل الفكر والموقف والالتزام". كما يرى الإعلامي كفاح جرار أن الغالبية الساحقة تفضل أن ترى الجزء المليء من الكأس وترفض التعاطي مع القضايا الحساسة بمزاجية وانتقائية، ليضيف أن الكثير كانوا يحبون الرجل لمواقفه ومبادئه، وليس لقرابة أو صداقة كانت تجمع بينه وبينهم، وهنا يكمن المعنى الحقيقي والصادق للاحترام، وقال كفاح جرار إن عبد الحميد مهري لم يكن رئيس حزب سياسي، ولا هو زعيم دولة فريد من نوعه، ولكنه كان أكثر من ذلك وأكبر، فهو تيار وطني وقومي وإسلامي، وقد جمع في فكره صدقية ونزاهة الموقف، وتلك المفردات التي يتنازع عليها المتنازعون آمن بها وعمل عليها، ولم ينازع ويصارعبحثا عن مسؤولية هي مجلبة للعار ووجع القلب، أكثر منها فخارا ورفعة، وكأن الراحل فهم ووعى تماما معنى المسؤولية التي لم يعيها معظم حكام وقادة وكبار العرب. ويبدو أن هذا الفلسطيني كان أكثر تأثرا من رحيل عبد الحميد مهري بالمقارنة مع بعض الأطراف الجزائرية، التي ربما كانت وفاته فرصة ليبتعد عن الساحة السياسية ولكي يخلوا لهم الجو في التحكم في زمام الأمور والتخلص من تعليقاته وتصريحاته التي كانت تزعج البعض، لاسيما و الفقيد كما قال الإعلامي كفاح جرار لم يتنازل أو يهادن، بمعنى لم يكن ثوريا أدى واجبه ثم تقاعد ولا رجل دولة أنهكته المسؤولية فتقاعد واستراح، ولا هو بالمنظّر الذي يفتي كفقهاء السلطان كلما اقتضت الحاجة، ولا مانع لديهم من تناقض فتاويهم أو الأصح فتياهم طالما هي ترضي الحاكم وتنزل السرور على قلبه، وإن أغضب ذلك الحاكم العظيم وهو هنا رب العزة تعالى، مؤكدا أن الرجل ذهب إلى لقاء ربه بضمير صادق ونية، و صافية، وترك فكرا يعلم من يجهلون معنى وأهمية المسؤولية، وربما كان بحق أحد حواريي ثورة عظيمة أنجبت كثيرا من العظماء المغمورين.