أكد رئيس الحكومة التونسية حمادي الجبالي الجمعة عزمه تشكيل حكومة كفاءات غير حزبية، وذلك عقب خروج عشرات الآلاف في العاصمة التونسية لتشييع القيادي اليساري المعارض شكري بلعيد، في ظل إضراب عام دعت إليه النقابة الرئيسة وواكبته أعمال شغب. ومع تواصل الدعوات إلى التهدئة استدعى الجبالي سفير فرنسا عقب تصريحات لوزير فرنسي اعتبِرت تدخلا في شؤون تونس. وقال الجبالي للصحفيين إنه متمسك بقراره تشكيل حكومة كفاءات (تكنوقراط)، مشيرا إلى أن ذلك لا يستلزم موافقة المجلس الوطني التأسيسي لأنه لن يحل الحكومة لكنه يعتزم تغيير جميع أعضائها. وأضاف أن التشكيل الحكومي جاهز، دون أن يكشف النقاب عن أعضاء حكومته الجديدة، مؤكدا أن موقف الأحزاب الرافضة -بما فيها حركة النهضة- لن يثنيه عن موقفه رغم احترامه لها، على حد قوله. وتأتي هذه التصريحات بعد يوم من رفض حركة النهضة اقتراح الجبالي عشية اغتيال القيادي المعارض شكري بلعيد، حيث أعلنت الحركة تمسكها بالائتلاف الذي يقود تونس منذ أكثر من عام. وكان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي دعا الأربعاء -في تصريحات للجزيرة- إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تخرج البلاد من المرحلة الانتقالية بسلام. في الأثناء، استدعى الجبالي الجمعة السفير الفرنسي فرانسوا غويات للاحتجاج على تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي مانوال فالس، قال فيها إنه يتعين دعم العلمانيين والديمقراطيين في تونس، وإن تونس ليست نموذجا للربيع العربي. وقال وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام عقب اجتماعه والجبالي بالسفير "عبّرنا للسفير الفرنسي عن قلقنا من تصريحات وزير الداخلية الفرنسي وموقفه المتحيّز والمثير للقلق، وعبّرنا له عن حرصنا على صيانة سيادة بلادنا واستقرارها السياسي". وأضاف أن ما صرح به فالس -الذي أغلقت بلاده مدارس ومؤسسات تابعة لها في تونس يوميْ الجمعة والسبت، ودعت رعاياها هناك للحذر- لن يغير هذه الحقيقة، مضيفا أن الحكومة دعت إلى التحقيق في اغتيال بلعيد. وفي اتصال مع قناة الجزيرة، قال المحلل السياسي الفرنسي كريستيان مالار إن العلاقات الفرنسية مع تونس كانت جيدة على الدوام، غير أنها توترت مؤخرا بسبب انتقاد حركة النهضة للتدخل الفرنسي العسكري بشمال مالي، مضيفا أن تصريحات الوزير فالس تعبر بالفعل عن موقف الحكومة الفرنسية، بسبب وجود بعض الاستياء مما حدث في تونس مؤخرا. وأشار مالار إلى أن الشعب التونسي اختار حركة النهضة في انتخابات نزيهة، لكن جزءا كبيرا من الشعب الفرنسي يشعر بأن الحركة بدأت تستأثر بالثورة، وأن التونسيين يشعرون بخيبة كبيرة على المستويات السياسية والتنموية وحرية التعبير. أما الباحث السياسي التونسي نور الدين العلوي فقال للجزيرة إن الشعب التونسي يتذكر المستعمر القديم ويقول له "قف عند حدك، فهذا بلد له سيادة، ونحن ندبر أمرنا، ونعرف كيف ندير حوارا سياسيا بين كل الفرقاء". وجاءت هذه التطورات عقب خروج عشرات الآلاف في العاصمة التونسية لتشييع بلعيد، في ظل إجراءات أمنية مشددة، تخللتها هتافات مناوئة للحكومة ولحركة النهضة، كما اعتدى شبان -وصفتهم وزارة الداخلية بالمنحرفين- على سيارات رابضة في محيط المقبرة. ودعا الغنوشي في كلمة أمام مقر النهضة إلى إرساء ثقافة السلم والحوار والتعايش، مؤكدا أن تونس تسع الحداثيين والإسلاميين، ونفى في الوقت نفسه ما تردد عن مغادرته البلاد. ومن جهته، نقل مراسل الجزيرة عن قيادي في الجبهة الشعبية -التي ينتمي إليها بلعيد- قوله إنه بدفن بلعيد ينبغي دفن كل مظاهر العنف في البلاد. كما دعا الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة في البلاد) إلى التقيد بسلمية الإضراب العام والاحتجاجات التي اندلعت عقب اغتيال بلعيد، وتطورت في بعض المدن إلى مواجهات وأعمال نهب. وفي العاصمة أيضا، احتشد أنصار حركة النهضة والحكومة أمام المجلس الوطني التأسيسي للتنديد بدعوات صدرت عن سياسيين لحل المجلس، ولاستنكار التصريحات الفرنسية. وسُجلت مظاهرات أخرى مدافعة عن شرعية المجلس التأسيسي في ولايات سوسة وصفاقس وقابس، في حين خرجت مظاهرات أخرى مناوئة للحكومة في سيدي بوزيد وقفصة.