يتساءل بعض النظريين المتحذلقين قائلين: هل اتجاه الثورة في الجزائر اتجاه عربي واضح، وهل تقوم هذه الثورة على الإيمان الصريح بالأمة العربية وبأن الجزائر جزء لا يتجزأ منها؟ وكان الأجدر بهؤلاء وأمثالهم أن يعكسوا السؤال ويقولوا: هل بلغت الأقطار العربية في وضوح الاتجاه القومي وعمق الإيمان بالعروبة ذلك المستوى الرفيع النادر المثال الذي حققه شعبنا في الجزائر؟ إذ هل العروبة في أعمق واصدق معانيها إلا النضال في سبيل الحرية؟ الحق أن الجزائر في ثورتها تمثل الأمة العربية بأحسن ما فيها، أي في مستقبلها المشرق المرتقب. لقد كانت هذه الثورة تحديا للعرب قبل أن تكون تحديا للاستعمار لقد تحدت طموح العرب وإيمانهم بقوميتهم ووحدتهم في كل قطر من أقطارهم. حددت لهم المستوى اللائق بإمكانياتهم العديدة التي لم يجرؤوا بعد على تفجيرها كلها وإطلاقها من عقالها، وأحرجتهم في الاختيار بين التنازل عن ادعاءاتهم وآمالهم العريضة وبين أن يؤيدوها ويضمنوا جديتها بالبذل والعمل والجهاد، ووضعتهم هذه الثورة أخيرا في موضع الخوف والخطر الجدي على البقاء، وما على العرب إلا أن يقاوموا الخوف بالجرأة، وإلا أن يدفعوا الخطر بالتضامن، تضامن الخائف على بقاء أمته وهذا ما فعله عبد الناصر أيضا عندما أمم القناة فأثار رعب الوحش الاستعماري وشهوته للدم، وجعل بذلك العرب في شتى أقطارهم يعون تلك اللحظات الخصبة المبدعة، لحظات الحياة الخطرة التي تربي الشعوب وتصنع المعجزات. وأما الخطر الجدي الذي يتهدد الأمة العربية نتيجة لثورة الجزائر، فهو أن الاستعمار، بعد ما شهده من بطولة شعبنا في الجزائر ومن إمكانياته النضالية الخارقة، لم يعد ليقنع ويكتفي بحشد جيوشه وكل أسلحته الفتاكة للقضاء على هذه الثورة، بل لا بد له لكي يطمئن على المستقبل من ضرب العروبة وتمزيقها في كل مكان، لان الاستعمار يدرك أكثر من بعض العرب أن ثورة الجزائر هي ثورة الأمة العربية. انه يعلم أن ثورة الجزائر ثورة كلية، تعطي لحرية الإنسان وكرامة الإنسان كل معانيهما، وان انتصار هذه الثورة سيدك قواعد الاستعمار في كل العالم انه يعلم أن ثورة الجزائر ثورة عربية تضع للعرب قيما جديدة وترفع مستوى النضال العربي وطاقته في كل قطر من أقطاره. ولهذا فقد أطلق الاستعمار الغربي يد المستعمرين الفرنسيين في الجزائر ودعمهم بكل وسائل التخريب والإفناء. والاستعمار الفرنسي الذي يعرف حقيقة هذه الثورة ومراميها، لا يحاربها على ارض الجزائر وحدها، بل يحاربها في قناة السويس وفي قلب الوطن العربي، في فلسطين. ولهذا تقف اليوم فرنسا وقد ربطت مصيرها ومصير إسرائيل في سياسة واحدة تحرضها على العدوان وتدعمها في كل شيء. فليس العرب مخيرين إذن في هذه المعركة وفي نصرتهم لإخوانهم في الجزائر، وليس الأمر أمر عطف وعون لهؤلاء الإخوة، بل دفاع عن المصير الواحد. لذلك يجب أن يرتفع وعينا لهذه القضية إلى مستوى خطورتها الحقيقية، وان تصبح قضية الجزائر ونجاح ثورتها في رأس قضايانا القومية، وان نعبر عن ذلك تعبيرا عمليا بتخصيص قسم جدي من موازنات الحكومات العربية للدفاع عن هذه الثورة، كما تخصص هذه الحكومات المال لتسليح جيوشها وتأمين الخبز لأفراد شعبها.