تأخر المفاوضات وجرائم المنظمة العسكرية منعا بقاء المعمرين في الجزائر أعاد الكاتب والصحفي السويسري، شارل هنري فافرو، إلى الواجهة جوانب كانت مظلمة من المفاوضات بين وفد جبهة التحرير وممثلي السلطات الفرنسية آنذاك، وكشف عن مشاعره اتجاه ما حدث في الجزائر غداة الاستقلال ويعرفه حاضرها، واعتبر إعادة طبع مؤلفه "الثورة الجزائرية" الصادر في 1959، عشية إحياء ذكرى عيد الاستقلال، موقفا نابعا من قناعته بأن مضمون الكتاب لم يفقد أهميته بعد. كما أنه يسمح بقراءة وفهم أحسن لواقع اليوم، خاصة بالنسبة لشباب اليوم، معربا عن أمله في ترجمته إلى العربية لتكون جدواه أعم. وأشار الكاتب، في حوار مع "سويس أنفو" على هامش توقيعه للطبعة الجديدة الصادرة عن دار نشر "دحلب"، إلى تمسكه بمضمون الكتاب وقتئذ ومفاهيمه التي أقلقت دور النشر الفرنسية، وخاصة عبارة "الثورة"، حيث كانت تفضل استعمال كلمة العصيان ، دفع موقفه مسير مطبعة بلومب" إلى استشارة مالكها "ديغول" قبل أن يعتلي السلطة في باريس، فقال له "ماذا تعني الثورة؟ فليسمه كذلك إذا كان ذلك يرضيه"، وبرر إعادة نشره بقلة توزيعه واقتصاره على السجون والمعتقلات، كما أن النخبة لم تطلع عليه. وباعتباره شاهدا على وقائع المفاوضات وأحد منشطيها، قال إنه كلف بنقل رسائل وأشرطة فيديو بين الطرفين، وتحدث عن فشل عدة محاولات لربط الاتصال بين قيادة الثورة وباريس، قبل مفاوضات ايفيان، وذكر بوجود شخصيات فاعلة في فرنسا كانت لا تؤمن بالحرب نشطت عدة وساطات، كاتصال ايدمون ميشلي وفرحات عباس في روما، أثناء تشييع جثمان البابا في 1959، ومحاولة بمدريد وطرابلس، مشيرا إلى واقعة لقاء فندق "انجلترا"، حين أتى كلوط شايي مبعوث الوزير الفرنسي بأمر عدم مصافحة سعد دحلب، غير أن دحلب باغته بمطالبته بالمصافحة باليدين معا، وهو ما كسر الجليد بين الطرفين المتفاوضين. وأوضح، شارل فافرو، أن "لوزان" السويسرية كانت عبارة عن ولاية جزائرية، بعد تحرر التنقل عبر الحدود، وخاصة بعد اكتشاف تعاون النائب العام الفدرالي مع باريس، وأن الطيب بولحروف كان يلقب نفسه ب" بابلو" للإيهام بأنه اسباني كلما حل بفندق "أوريون orient ". وأكد المؤلف أن تأخر المفاوضات والجرائم البشعة التي نفذها الجنرالات والمعمرون في الجزائر جعل بقاء المعمرين في الجزائر أمرا مستحيلا بعد الاستقلال، وأبدى استغرابه ل "التصرف الفرنسي الميكيافيلي الذي سمح دخول جيش وتجريد مقاتلي الداخل من أسلحتهم"، وحسرته على صراع قادة الثورة على السلطة بعيد الاستقلال، الذي أدى "إلى مقتل العديد من أصدقائي من قادة الحكومة المؤقتة ممن كانوا قمة في التضحية والتفاني".