الله لا يعيدنا لما كنّا فيه''.... هي العبارات التي بادر بها ''ح. أحمد 51 سنة'' والمدعو ''أبو حاتم'' نشط ضمن سرية لقاطة، انتقلنا إلى مقر سكناه ببلدية لقاطة شرق ولاية بومرداس، وقمنا معه بحوار قصير ركز خلاله على حرص قادة التنظيم على تحوير النصوص الدينية وقطع أية صلة بين الإرهابيين البسطاء وكذا العلماء، خشية اكتشافهم لغياب الشرعية في عملياتهم الإجرامية التي يذهب ضحيتها الجزائريون. ''النهار'': متى التحقت بصفوف الجماعة الإرهابية وكيف تم ذلك ؟ أبو حاتم : التحقت بالجبل سنة 2001 في ظروف جدّ خاصة، فقريبي كان قياديا في سرية لقاطة، وكان يتردد على بيتهم المحاذي لبيتنا، وبطبيعة الحال كان على اتصال مباشر بي، لكن دون أن أسانده لا من بعيد ولا من قريب. لكنه حاول كثيرا إقناعي بالالتحاق بالجبل، وصوّره لي كأنه جنة الفردوس، ضامنا لي النشاط بكرامة باعتباره أمير السرية. وهل وجدت ما وعدك به ؟ إطلاقا؛ ففي بداية الأمر رفضت الانصياع لطلباته، لكن لسوء الحظ ورطني ابن عمي في قضية تمويل، بعدما أجبرني على تأمين سيارة لتنقل أحد عناصره، وكنت أعتقد أنني سأنفذ طلبه لأول وآخر مرة، على أن يتركني وشأني، إلا أن معلومات وصلت لمصالح الأمن وصدر بحقي أمر بالقبض، ليستغل الفرصة ويقنعني بضرورة الالتحاق بالجبل، وهو ما تم بالفعل، في البداية بدا الأمر جيدا، حيث لم أكن أكلف بمهام خارج المعسكر، بل كنت أشرف فقط على حراسة العتاد والمؤونة، لكن الأمر لم يدم طويلا. ألم تحاول الفرار والعودة إلى أهلك ؟ كان الأمر مستحيلا لأمرين، الأول أن أمير السرية كان قد أوصى بإعدام كل من يفكر فقط في التوبة والعودة لأحضان ''الخونة''، كما كان يسميهم، والأمر الثاني أنه كان ينقل لي أخبارا تفيد بتشديد البحث عني، وبصدور أحكام قضائية غيابية ضدي بالسجن المؤبد والإعدام، ما جعلني أقلع عن التفكير بالتوبة، خاصة وأن إبن عمي يعرف منزلي ويمكن أن يصل لي ويثأر حتى من أهلي. كيف كنت تتعامل مع العناصر الإرهابية وكيف كانت أوضاعهم ؟ كان عددنا حوالي 43 عنصرا، وكان موح جاك الإرهابي السفاح هو المكلف بتنفيذ العقوبات والأحكام الصادرة في حق العناصر المشكوك في رغبتهم بالتوبة، وحتى ابن عمي الذي كان المشرف المباشر على السرية، لم يكن يخالفه في أمر، لأنه على علاقة مباشرة بأمير التنظيم عبد الملك دروكدال. الكل كان يحسب لهذا الأخير ألف حساب، وكانت كل المشاورات التي تربطه بأمير السرية تتم بينهم فقط في سرية تامة، ولم نكن نعلم منها شيء. وكان موح جاك يحمل تقارير الفتاوى التي كان يقول أنها من مفتي التنظيم أو ما يسمى باللجنة الشرعية، بخصوص قضايا تخص عناصر إرهابية، ويخبر بها أمراء السرية مع الأحكام الخاصة بالمعاقبين، وهم ينفذونها فقط. هل شهدت تنفيذ حكم على أحد العناصر ؟ أتذكر مرة في فيفري 2006 أعدم أحد العناصر بسبب رفضه تنفيذ عملية انتحارية، فبلغ ابن عمي موح جاك بقرار هذا العنصر، ليتم استفتاء المفتي المزعوم، ليقرر إعدامه، وقد علل الحكم بعصيان هذا العنصر، وعدم تحليه بالإيمان، ما يفقد الثقة فيه، فأحلّ دمه، وقد أطلق عليه وابلا من الرصاص، دون أن يعلم أن قضيته فصل فيها وصدر في حقه حكما جائرا. وماذا كان موقف الإرهابيين حين تنفذ أحكام من هذا النوع على زملائهم ؟ كان أمراء السرايا يتعمدون إخطار عناصرهم بالأحكام المنفذة لزرع الرعب، وإرغامهم على طاعتهم، وأنا شخصيا لو لم أكن تحت رعاية قريبي، لطلب مني تنفيذ عمليات إرهابية كنت لأجبر على قبولها أو أتعرض لتصفية جسدية. وكيف تمكنت من النزول، وتطليق العمل الإرهابي ؟ عندما كان قريبي على رأس الإمارة، كان الأمر بالنسبة لي أرحم، لكن وبعد القضاء عليه من طرف مصالح الأمن في نهاية سنة 2007، وتنصيب أمير جديد، فقدت الحماية والحصانة، وبدأت أشعر بالخطر المحدق بي من جهة، وإمكانية العودة لأحضان أسرتي من جهة أخرى. لكن الأمر لم يكن سهلا أبدا، فقد شدّدت الحراسة علي، ما زاد إصراري على التوبة قبل اكتشاف نيتي الفعلية في ذلك، ليزيد إصراري أكثر فأكثر، حينما صدر في حقي أمر بالانتقال إلى سرية الأخضرية، من أجل إبعادي عن مقر سكناي، عملية النقل كانت مشدّدة، لكن تمكنت من تبليغ أهلي بالعملية المزمع إجرائها، وكان ذلك خفية عن أمير السرية في إحدى زياراتي الأخيرة للمنزل، واتفقت مع شقيقي لتبليغ عناصر الأمن بموعد التنقل، لنصب كمين واستغلال الفرصة من أجل تسليم نفسي، وفعلا تم نصب كمين حينما كنت منتقلا رفقة 11 عنصرا صدر في حقهم أمرا بالنقل، وقد حدث اشتباك عنيف حينها قتل فيها أربع إرهابيين، وتسللت وسط رفقائي الذين فرّوا في اتجاهات مختلفة لأسلم نفسي لمصالح الأمن. ماذا تقول لمن يزال يعتقد بشرعية إباحة دماء إخوانه الجزائريين ؟ ماذا عساني أقول سوى أن ما يفعله هؤلاء جريمة في حق شعب حرام دمه وعرضه وماله، وأعلم أن معظم العناصر الإرهابية هم من المغرر بهم، وطبيعتهم خيّرة ما يزيد الأمل في عودتهم إلى المنهج السليم والالتفاف حول مساعي المصالحة الوطنية. وأنا مثال حي لتفنيد إدعاءات القادة من الجماعة الإرهابية الذين يخوّفون عناصرهم بأن شعارات المصالحة مجرد شعار لاستقطاب العناصر الإرهابية ثم تصفيتهم.