الزيادة الحادة في حالات الاكتئاب والانتحار بين المراهقين الأميركيين دفعت الأسر والخبراء الاجتماعيين وعلماء النفس إلى طلب تدخل الحكومة لدراسة العلاقة بين تزايد حالات الانتحار واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي المتهم الأول وراء الظاهرة. يتولى مفوض الصحة في نيويورك أشوين فاسان مهمة حماية شباب المدينة من آثار وسائل التواصل الاجتماعي الضارة المحتملة. وهو يبني على تنبيهات سابقة للصحة العامة. وقال فاسان لرويترز "خذ مثال التبغ أو الرصاص... نحن نعرف ما يجب فعله عندما نرى هذا النوع من السموم في بيئتنا المادية. لماذا لا يمكننا استخدام نفس العناوين للحديث عن التسمم الرقمي؟". يبحث فاسان ومسؤولون محليون آخرون في جميع أنحاء البلاد عن الخطوات التي يمكنهم اتخاذها في مواجهة الإحباط الناتج عن غياب إجراءات فيدرالية لمعالجة القلق المتزايد بشأن تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي. في الأسبوع الماضي، رفعت 33 ولاية أميركية دعوى قضائية ضد شركة ميتا وإدارة إنستغرام التابعة لها، متهمة إياهما بإثارة أزمة صحة عقلية بين الشباب من خلال تصميم منصاتها لتسبب الإدمان مع تضليل الجمهور بشأن المخاطر. أشوين فاسان: ما نشهده حاليا وباء بكل المقاييس وأعربت ميتا عن "إحباطها" من الدعوى القضائية، لكنها قالت إنها تشارك "التزام المدعي العام بتزويد المراهقين بتجارب آمنة وإيجابية عبر الإنترنت"، وأشارت إلى تقديم أكثر من 30 أداة لدعم المراهقين وأوليائهم. ويدرس مسؤولو الصحة، بما في ذلك فاسان في نيويورك، اتخاذ تدابير سياسية بالإضافة إلى الدعاوى القضائية. وعقدت في نيويورك ندوة وطنية في يونيو الماضي شملت ممثلين عن إدارات الصحة في فيلادلفيا ولوس أنجلس وبوسطن، بهدف صياغة إستراتيجية طويلة المدى للمدينة للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها "تهديدا محتملا للصحة العامة". وقال فاسان إن الدافع يكمن في القلق بشأن "الزيادة الواضحة في تدهور الصحة العقلية، خاصة بين المراهقين"، مضيفا أن جائحة كوفيد – 19 فاقمت الاتجاه طويل المدى. واعتبر فاسان، الذي يعمل على خطة عمل للمدينة يمكن أن تصنّف اللوائح وحملات التوعية العامة وأبحاث الصحة العقلية، هذا "وباء بكل المقاييس". وتزامنت الزيادة الحادة في حالات الاكتئاب والانتحار بين المراهقين الأميركيين مع زيادة في استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي قبل حوالي عقد، على الرغم من أن سلسلة من الأبحاث توصلت إلى استنتاجات مختلطة حول وجود صلة محتملة. وتشكك مجموعات صناعة التكنولوجيا في الصلة وتقول إن السياسات التي تسعى إلى معاقبة شركات التواصل الاجتماعي تنتهك الحريات المنصوص عليها في الدستور. أداة لدعم المراهقين وأوليائهم وعدت ميتا بتزويدها للوصول إلى تجارب آمنة وإيجابية عبر الإنترنت وقال كارل زابو، نائب الرئيس والمستشار العام في نيت شويس، وهي مجموعة تدافع عن حرية التعبير على الإنترنت وتضم غوغل وميتا وغيرهما، "توجد حلول دستورية حقيقية مبنية على الحقيقة والعقل". وذكر في تعليقات عبر البريد الإلكتروني أن ذلك يشمل "تثقيف الأطفال حول السلامة والأمن الرقمي في الفصول الدراسية وتمكين سلطات إنفاذ القانون من مواجهة الجرائم المرتكبة ضد الشباب عبر الإنترنت. ويجب على صناع القرار في نيويورك أن ينطلقوا من تلك النقطة بدلا من انتهاك حقوق مواطنيهم". لكن الضغط لاتخاذ إجراءات سياسية يتزايد، وقالت كبيرة أعضاء جماعة الضغط في الرابطة الوطنية للمسؤولين الصحيين أدريان كاسالوتي إن جهود نيويورك تخضع للمراقبة على المستوى الوطني. وأضافت أن الجمعية تمثل حوالي 3 آلاف إدارة للصحة العامة في جميع أنحاء البلاد، و"يتحدث الكثير منهم مع أنظمتهم المدرسية حول أوجه التآزر لمواجهة تحديات الصحة العقلية، وخاصة بعد الوباء". وفي نفس الوقت، سُجّل تقديم أكثر من 200 مشروع قانون بشأن الإشراف على المحتوى عبر الإنترنت إلى المجالس التشريعية بالولاية في الأشهر الأخيرة، وفقا لرابطة صناعة الحاسوب والاتصالات. أدريان كاسالوتي: التآزر لمواجهة تحديات الصحة العقلية وأصدرت العديد من الولايات قوانين تشترط التحقق من العمر، في حين سعت ولايات أخرى إلى التحكم في كيفية جمع البيانات وتخزينها، أو فتح منصات يمكن مقاضاتها. لكن العديد من هذه الجهود واجهت عقبات قانونية، بالإضافة إلى رفض بعض مجموعات الحريات المدنية. وانضمت حوالي 460 منطقة تعليمية إلى قضيتين ضد خمس منصات للتواصل الاجتماعي، حيث ترى أنها تلعب "دورا رئيسيا في التسبب" في مشاكل الصحة العقلية لدى الشباب. وقالت باتريشيا سوكاراس، مديرة الاتصالات في بروفيدنس برود آيلاند، وهي من أطراف إحدى الدعاوى إن "شركات التواصل الاجتماعي هذه لها تأثيرات مباشرة على الرفاهية العاطفية والاجتماعية لسكاننا". ووصف كارل زابو إحدى الدعاوى القضائية التي رفعتها المدارس بأنها محاولة لتوريط "كبش فداء" واتهامه بالتسبب في المشاكل المجتمعية الأوسع بدلا من "محاولة تعليم الأطفال السلامة عبر الإنترنت". ولا تزال العديد من المقترحات الفيدرالية التي تتناول المخاوف المتعلقة بالأطفال والإنترنت معلقة في الكونغرس. وأنشأ البيت الأبيض في مايو فريق عمل مشترك بين الوكالات للنظر في صحة الأطفال وسلامتهم عبر الإنترنت، ومن المقرر أن يقدم توصيات في مطلع العام المقبل. وخلال نفس الشهر، نشر جراح أميركي تحذيرا حول "مؤشرات كثيرة" لخطر الإضرار بصحة الشباب العقلية. وقالت كريس بيري، المديرة التنفيذية لمنظمة الأطفال والشاشات: معهد الوسائط الرقمية وتنمية الطفل، إن النصيحة شجعت على اتّباع نهج "السلامة أولا" في التعامل مع هذه القضية. كارل زابو: هناك حلول مبنية على الحقيقة والعقل وأضافت أن هذا النهج يعترف بالإمكانات الإيجابية لاستخدام الأطفال لوسائل التواصل الاجتماعي، مثل تقديم المساحات والدعم للشباب المثليين، مع السعي لمعالجة "مجموعة من الأضرار التي تشمل أجزاء متعددة من نمو الطفل". وقالت بيري إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت "في كل مكان" إلى درجة أنها تتطلب لوائح تنظيمية بعيدة المدى، وهو ما دفع البعض إلى المطالبة بتنظيم وسائل التواصل الاجتماعي بنفس الطريقة التي تُنظّم بها المرافق العامة مثل شركات المياه. وقال تيد كوري، وهو مدير دراسات الطاقة في مركز أبحاث المرافق العامة بجامعة فلوريدا، إن تنظيم خطوط الأنابيب قد يقدم نموذجا أفضل للمسار الذي يجب اتخاذه. وقد يتطلب ذلك وضع قواعد لتوفير المحتوى، مع فرض غرامات على المنصات التي لا تلتزم بها. لكن كوري حذر من أن التنفيذ قد يكون صعبا ومعقدا بسبب حماية حرية التعبير الدستورية، والسرعة التي تتغير بها وسائل التواصل الاجتماعي، ومدى تأثير الغرامات على الشركات. واعتبر أن الحديث المتزايد حول هذه القضية على المستويات المحلية قد يوفر أيضا ميزة في السعي إلى إنشاء تنظيم جديد، وقد تجد المدن أنه من الأسهل التوصل إلى اتفاق عام حول أهداف التنظيم الجديد. وتابع كوري "قد تكون التفضيلات المجتمعية أكثر اتحادا بعض الشيء على مستوى المجموعات المحلية. وتعدّ هذه ميزة، لأنها قد تسهّل تحديد تلك الأهداف قليلا، وهذه خطوة أولى تعتبر حاسمة".