بات واضحا أن الفوضى الأمنية والحرب الأهلية التي تشهدها الجارة الجنوبية للجزائر مالي لا تهدّد بلادنا وحدها، بل تتجاوز تهديداتها وأثارها الوخيمة منطقة الساحل لتمس القارّة الإفريقية، بل والعالم بأسره حذّر أنطونيو غوتيريز رئيس المفوضية العليا لشؤون اللاّجئين التابعة للأمم المتّحدة من أن النّزاع في شمال مالي يفاقم الأزمة الإنسانية في منطقة الساحل الإفريقي ويشكّل تهديدا خطيرا للأمن الإقليمي والعالمي وذكرت إذاعة (صوت أمريكا) أمس السبت أنه (وفقا لتقرير أصدرته المفوضية العليا فإن النّزاع في شمال مالي أدّى إلى نزوح أكثر من 200 ألف شخص وأجبر أكثر من ربع المليون لاجئ على الفرار إلى الدول المجاورة، ممّا عقّد الموقف في منطقة الساحل بغرب إفريقيا، حيث يواجه 18 مليون شخص الجوع من بينهم أكثر من مليون طفل يعانون من سوء التغذية) وقال غوتيريز في تصريحات نقلتها الإذاعة الأمريكية: (في الوقت الذي يركّز فيه المجتمع الدولي على سوريا فإنه يتجاهل الوضع المتدهور والخطير في مالي)، وأضاف: (إذا لم يتمّ تقديم المساعدات الإنسانية وإذا لم يتمّ إيجاد حلّ سياسي فإن خطر هذا النّزاع وذهابه إلى ما هو أبعد من مالي - في رأيي - يعدّ هائلا والانعكاسات تعتبر خطيرة للغاية على المنطقة بأسرها) ويشار إلى أن أكثر من 250 ألف مواطن فرّوا من مالي خلال الأشهر الستّة الماضية على خلفية أعمال العنف التي اندلعت بين القوات الحكومية والطوارق والعديد من الجماعات المسلحة، ويوجد من اللاّجئين 96 ألفا في موريتانيا و53 ألفا في النيجر وتسلّمت وكالة شؤون اللاّجئين التابعة للأمم المتّحدة حوالي ثلث مبلغ ال 153 مليون دولار الذي تحتاجه من أجل عمليات التي تجرى من أجل لاجئ مالي في موريتانيا وبوركينا فاسو ونيجيريا، وأن وكالات تقديم المساعدات الأخرى تعاني من قلّة الموارد كذلك في سياق ذي صلة، يرأس الوزير المنتدب المكلّف بالشؤون المغاربية والإفريقية السيّد عبد القادر مساهل الوفد الجزائري خلال أشغال الاجتماع الوزاري لدول الميدان المزمع عقده يوم الاثنين المقبل بنيامي (النيجر)، حسب ما أفادت أمس السبت وزارة الشؤون الخارجية في بيان صحفي وأضاف البيان أن الاجتماع سيتناول الوضع الرّاهن في المنطقة على الصعيد الأمني، لا سيّما مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للأوطان على ضوء اجتماعات وحدة الدمج والرّبط ولجنة قيادة الأركان العملياتية المشتركة وحسب نفس المصدر فإن جدول أعمال هذا الاجتماع يتضمّن أيضا الوضع السائد في مالي وآخر المستجدّات في هذا البلد ويرى متتبّعون أن الجزائر تواجه تحدّيا كبيرا بسيطرة جماعات تابعة لتنظيم القاعدة على منطقة شمال مالي واعتزامها تأسيس دولة إسلامية سلفية على شاكلة النّظام الطالباني في أفغانستان وتأسيس هذه الدولة سيكون تهديدا حقيقيا للجزائر، ليس فقط لأنها ستكون على حدودها الجنوبية مباشرة وإنما لأن الجماعات السلفية التي سيطرت على شمال مالي وهما: (حركة انصار الدعوة والتوحيد في غرب إفريقيا) و(حركة أنصار الدين) خرجتا من عباءة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي المكوّن أساسا من الجماعة السلفية للدعوة والقتال وهي جزائرية ومعلوم أن الجزائر تتحفّظ على مبدأ التدخّل في الصراع الجاري في شمال مالي، كما أنها لا تعتزم التدخّل عسكريا في مالي انطلاقا من المبدأ الذي التزمته منذ الاستقلال، وهو امتناع الجيش الجزائري عن القيام بأيّ عمليات خارج الأراضي الجزائرية، عدا المشاركة في مهمات تحت غطاء دولي وبرأي بعض المتتبّعين فإن ما قامت به الحركة المتفرّعة من القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في شمال مالي لا تختلف عن هدم حركة طالبان الأفغانية سنة 2001 تماثيل بوذية عريقة تعتبر أيضا جزءا من التراث الإنساني وتستثمر بعض دول الجوار هذه الإدانة الدولية الشاملة لحشد الدّعم لإرسال قوات إفريقية إلى شمال مالي، أسوة بالتدخّل الذي أدّى إلى الإطاحة بالرئيس السابق لكوت ديفوار لوران غباغبو