لتحريك الحياة الثقافية وبعث حيوية أكثر للفعل الثقافي، استفادت ولاية الجلفة على غرار باقي الولايات، من حصتها المتعلقة بإنشاء مكتبة لكل بلدية في إطار المشروع الضخم الذي أقرته الوزارة الوصية بأمر مباشر من فخامة رئيس الجمهورية، والذي رُصدت له أموال طائلة. ففي ولاية الجلفة تم فعلا تجسيد هذا البرنامج بنسبة 90 بالمائة، حيث عرفت معظم البلديات إنشاء هذه المرافق المسماة "مكتبات"، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل فعلا تم تحقيق الغاية المرجوَّة من إنشاء هذه المرافق؟... وهل ساهمت حقا في تفعيل الحركية الثقافية في ولاية هي الرابعة وطنيا من حيث التعداد السكاني وتحوي نسبة مقروئية معتبرة؟.. من خلال هذا الاستطلاع الذي قمنا به للوقوف على حقيقة الوضع الذي آلت إليه مثل هذه المشاريع التي ابتلعت الملايير في ظرق قياسي دون أن تحقق أبسط أهدافها؛ لكونها بقيت عبارة عن هياكل إسمنتية تفتقد للروح والحيوية الفكرية؛ لبقائها خاوية على عروشها؛ لا تجهيزات ولا كتب ولا تأطير "ولا هم يحزنون"... إن الوضعية الحالية التي توجد عليها هذه المكتبات لا تسرّ لا العدو ولا الصديق؛ نظرا لما آلت إليه من تسيّب وإهمال طال حتى الجدران والنوافذ والأبواب، وتحولت في غالبيتها إلى بؤر لتعاطي الرذيلة والمخدرات في غياب أدنى رعاية واهتمام أو حتى وضع حراس عليها لحمايتها من التخريب وعبث يد الإنسان بها، خاصة بعد تنصّل "الأميار" من مسؤولياتهم في الإشراف على حماية هذه المرافق؛ بحجة أنها مشاريع قطاعية ممركزة تابعة لوزارة الثقافة ولا دخل لهم فيها. "السيكتوريال".. ضرع جاف لا يستهوي "الأميار" لرفع اللبس ومعرفة حقيقة الوضعية المزرية التي آلت إليها المكتبات ربطنا اتصالا ببعض رؤساء البلديات ولسان حالنا يحمل سؤالا واحدا: من المسؤول عن حماية هذه المشاريع مادامت مشيَّدة على مستوى إقليم بلدياتهم؟... فكان الرد واحدا أيضا، يتلخص في كون مثل هذه المشاريع "سيكتوريال"؛ بمعنى قطاعية ممركزة تشرف عليها الوزارة الوصية وتتابعها المديريات التنفيذية على مستوى الولايات... وبالتالي لا دخل لهم فيها... لكن الواقع يؤكد حقيقة مرة، هي أن هذه المشاريع القطاعية "ناشفة"؛ أي "ما فيهاش لحيس الصباع"- كما يقال وبالتالي يعزف "الأميار" حتى عن تقبّل تواجدها بإقليم بلدياتهم فما بالك بمتابعة وتيرة الإنجاز والحماية التي تواكبها مادام ضرعها "ناشف" لا حليب فيه؟!.. مصالح الثقافة بالولاية تتنصل.. وتتهم "الأميار" من جهتها، مديرية الثقافة لولاية الجلفة تنصلت من كافة المسؤوليات؛ بدعوى أن المشاريع المبرمَجة تم إنجازها، وهي تنتظر التجهيزات فقط؛ بدليل أن مجمل هذه المكاسب المحقَّقة في قطاع الثقافة كالمسرح الجهوي، وملحقة المدرسة الوطنية للفنون الجميلة وملحق المركز الوطني لأبحاث ما قبل التاريخ، إلى جانب ملحق المعهد الوطني للموسيقى ومشروع دراسة وتهيئة المواقع الأثرية والمعالم التاريخية والمتحف الولائي، وكلها مشاريع شارفت على نهايتها ومنتظَر تسليمها قريبا. أما مسألة المتابعة والحماية فهي من اختصاص البلديات المقامة فيها مثل هذه الإنجازات... و"الأميار" مطالَبون بحمايتها المطلقة. المثقفون يطالبون الوزارة بالتدخل... للتجهيز وجلب الكتب... تجمّعت الطبقة المثقفة بولاية الجلفة على استحسان ومباركة مثل هذه المشاريع، وتطالب من جهة ثانية بضرورة التدخل العاجل للوزارة المعنية من أجل إتمام عمليات تجهيز هذه المرافق الحساسة وجلب الكتب، مع الحرص التام على استغلال مناسبات إقامة مختلف معارض الكتاب هنا وهناك؛ من أجل اقتناء الكتب اللازمة وتزويد المكتبات التي ظلت خاوية على عروشها مدة أطول... مع الأخذ بعين الاعتبار جانب التأطير لضمان السير الحسن لها؛ وهو الأمر الذي يجب الإسراع في تجسيده حتى لا تتحول هذه المكاسب إلى بؤر للفساد، وحتى لا تحيد عن الدور الذي أُنجزت من أجله.