تحولت ساحة "الطحطاحة" بوسط الباهية وهران إلى سوق عارمة متمردة عن سلطة الضرائب، وغير خاضعة للقوانين التجارية المعمول بها، يتداول الباعة الفوضويون داخلها ما لا يقلّ عن ثلاثين مليون أسطوانة استنادا إلى هواري بوسيف أحد المسؤولين الجهويين. تعدّ الطحطاحة سوقا كبيرة للسلع المقلدة تختصر حالة بلد يصنف الثالث عالميا من حيث العلامات التجارية المزوّرة المتداولة فيه، وتكبّد هذه "التجارة السهلة" الجزائر خسائر بالمليارات، والمثير أنّ هذه البضائع رائجة بالطحطاحة، تماما مثل أسواق السلع المقلّدة الأخرى المنتشرة في باقي جهات الجزائر. ويشير حاج ملياني إلى أنّ أي أسطوانة مهما كان عمرها قصيرا، أو مصدرها بعيدا، توجد بالطحطاحة، ويتعلق الأمر ب"قراصنة" يتفنون في استنساخ أحدث النتاجات سواء كانت عربية أو فرنسية أو أمريكية وقبل إطلاقها رسميا في دولها الأصلية. ويشير عبد الحميد بوطريق أحد رواد سوق الطحطاحة إلى أنّه من الصعب معرفة هوية مقلّدي الأسطوانات المعروضة في مختلف الأزقة، بما يزيد من صعوبة فرق الرقابة، في وقت يرفض الباعة الكشف عمن يزودهم بهذه السلع المزوّرة التي يفلت أصحابها كل مرة من العقاب. ونظرا لانخفاض قيمة السلع المقلّدة، فإنّ الأخيرة تنفذ في آجال قياسية تدفع بعرّابي العلامات المقلّدة إلى مضاعفة نشاطهم لسد الطلب الذي زاد بثلاث مرات خلال أقل من عام. ويشير الخبير أنيس بن مختار إلى أنّ ظاهرة البضائع المقلّدة لم يسلم منها أي قطاع، إذ مست قطع الغيار بحدود 50 بالمائة وهو ما يفسر وقوع بعض الحوادث التي تكون السبب الرئيس فيها قطع غيار مزورة، كما يلفت بن مختار أنّ التقليد طال أيضا السجائر بنسبة 60 بالمائة من مجموع السجائر المتداولة في السوق الجزائرية، وكذا المواد الكهرومنزلية وتجهيزات الإعلام الآلي ب12 بالمائة، ناهيك عن قدر غير قليل من الأدوية والمنتجات الصيدلانية المقلدة. وتبعا لتنامي العلامات التجارية المزوّرة، تشير بيانات رسمية إلى رمي نحو 75 مؤسسة للمنشفة، بعدما هبت عليها رياح الإفلاس، في وقت تفكّر مجموعات اقتصادية أخرى لتغيير نشاطاتها رأسا بما يجعلها في منأى عن أشباح التزوير التجاري الذين أسّسوا لصناعة من نوع خاص تقوم على اقتناء عتاد بات في المتناول، ويجري بواسطته تطوير القرصنة على مرأى ومسمع من الجميع. ويدافع فريق من ممارسي تجارة العلامات المزوّرة، بالقول إنّ دروب الحياة استهلكتهم، ولم تعدّ لهم من حيلة سوى ممارسة هذه التجارة غير المشروعة التي تعيش من إيراداتها آلاف العائلات، ويستفيد منها قطاع واسع من الزبائن المحدودي الدخل. ولا ينفي عبد الرزاق ووليد أنّ تراجع المستوى المعيشي العام لمواطنيهم يضطرهم على الرغم منهم لاستهلاك بضائع مقلّدة لا لشيء سوى ل "أسعارها المنخفضة"، وهو ما يبرزه جلول: "لست أهتم بما يقال عن النوعية السيئة للبضائع المقلّدة، كيف لي أن أعيل عائلتي بعشرين ألف دينار (ما يعادل 240 دولارا)". ويقرع كل من إلياس بوثلجة وعبد الحفيظ بوعلام أجراس الإنذار، حيث يرى كلاهما في تزوير العلامات التجارية نزيفا تتحمل الجزائر وطأته، حيث يترتب عن إغراق الأسواق المحلية بالعلامات التجارية المزوّرة، 591 مليون دولار كخسائر سنوية تستنزف الخزانة العامة. وتقدّر مراجع مطلعة، قيمة البضائع المقلّدة في البلاد بما يزيد عن المليار دولار، تبعا لتزوير 41 في المائة من العلامات التجارية المحلية وفق تقارير رسمية، علما أنّ دوائر الرقابة حجزت خلال العام الأخير ما يربو عن الأربعة ملايين قطعة مقلدة، ما جعل تقرير أمريكي حديث يدرج الجزائر بعد الصين وروسيا ضمن قائمة الدول الأحد عشر المصنّفة على اللائحة الحمراء. ويفيد تحقيق ميداني أنّ أكثر من 80 بالمائة من المنتجات المزورة مصدرها الاستيراد غير الشرعي الذي يعد النافذة الرئيسة لولوج السلع المقلدة إلى البلاد من خلال من يُعرفون ب"تجار الحقائب".