وسط ما يشهده المجتمع الجزائري من انحلال القيم والأخلاق تبرز مفارقة غريبة على السطح، حيث أضحى ميزان الزواج يميل بنسبة كبيرة لصالح “الداعرات" اللواتي يحظين بشركاء حياة، بينما يطارد شبح العنوسة بنات العائلات المحترمات، لأنّ بنت الحرام لم تترك لبنت الحلال شيئا، على حد تعبير فريق من بنات حواء. معاناة يكابدها المجتمع منذ أكثر من عشر سنوات، فبيوت الدعارة لا يملكها إلا فلان وفلان من كبار النافذين، وبائعات الهوى تتهافت عليهنّ العروض من كل مكان، إنه زمن قضي فيه على النخوة والشرف، أين أصبحت العملة الوحيدة هي جسد المرأة وجمع المال لا غير. «آسيا” البالغة من العمر 41 سنة تتاجر بجسدها، لكنها تمكنت من أن تضمن مستقبلها بارتباطها بتاجر ب«البازار”، هذا الرجل الذي اختارها من بين الفتيات اللواتي يراهن يوميا، هو يعرف كل ماضيها كما انه قد اشترى هواها ذات مرة لتصبح زوجته ويتباهى بها، لأنها جذابة وفائقة الجمال. «حفيظة” أو كما يدعونها الذين يعرفونها بأرخص الأثمان ولا يهم إن كان رجلا أو شاذا، المهم عندها هو جمع المال لا غير، لم تترك لا كبيرا أو كهلا ولا مراهقا ولا حتى شيخا، إنها امرأة للجميع تعمل في أكبر بيوت الدعارة، والأكثر من هذا وذاك إنها تعقد صفقات مربحة جدا بين الرجال الأغنياء والفتيات العاهرات، شاء لها القدر أن ترتمي بين أحضان ابن سفير والذي يعمل بدوره قنصلا ليختارها زوجة وتطير معه إلى البلد الذي يقيم فيه، تاركة وراءها زبائنها، الغريب في كل هذا أنه يعلم عنها كل شيء، بعدما تعرّف عليها كبائعة هوى، واشترى ليلته الحمراء معها بأثمان باهظة. اقتربنا من إحداهن، إنها “نجاة” البالغة من العمر 22 سنة زوجة صائغ غني جدا، فروت لنا قصتها مع المتاجرة بالشرف قائلة:«كانت البداية في المرحلة الثانوية عندما بدأت التدخين ثم تعاطيت المخدرات ثم تعرفت إلى إحدى الصديقات العاهرات التي أغرتني في سن المراهقة، فدخلت أول شقة وكانت لضابط شرطة، مازلت أتذكر المكان جيدا وقضيت معه ليلة صاخبة، رقصت له ومارست الجنس وتلقيت مبلغا قيما، ثم تلتها مع مدير إحدى شركات الطيران وحصلت على مبلغ باهظ وعلى عمل في الشركة، بعدها مع “بڤار” أهداني سيارة فاخرة ثم مع مدير السكن الذي أهداني شقة “بسعيد حمدين”.. ثم.. ثم.. وفي نهاية المطاف أدركت أنني فقدت أغلى ما أملك، عذريتي وعائلتي لتتلاطمني أحضان الرجال من هنا وهناك، إلى أن عرض على صائغ كنت ألهو معه الزواج فقبلت دون تردد رغم أنه كان يعرف كل شيء عن حياتي”. «سلمى” هي الأخرى نموذج فريد من نوعه، إنها عاهرة حُظيت بزوج أحبها ودفع ثمن حبها المال الكثير حتى توافق على الارتباط به شرعيا، وأعاد ترقيع عذريتها قبل الزواج عن طريق عملية جراحية كلفته ما لا يقل عن ثلاثة ملايين سنتيم، ورُزقت بطفلين وهي جد سعيدة في حياتها معه، يلبي كل رغباتها ويحترمها ويقدرها، في وقت تكشف “غنية” عن زواجها من منحلّ في ملهى “الشمس الحمراء”، ودفعها المعني للمتاجرة بجسدها مع بعض أصدقائه ليتخلص من ديونه!!! زواج الإعلانات “وهيبة” 40 سنة تسكن بأعلى القصبة، متحجبة وملتزمة أي بنت فاميليا 100%، فاتها قطار الزواج فضعف إيمانها وقررت إيجاد صديق لتستقر نفسيا. “جميلة” هي الأخرى لا ينقصها شيء، فهي ذات مستوى علمي وثقافي وديني عال، لم يتقدم لخطبتها أحد فكل العروض التي كانت تحظى بها كانت لمجرد التسلية أو ممارسة الفاحشة، لكنها رفضت لشيء واحد أن لها قيما لا يمكن أن تتخلى عنها. انتظرت طويلا الزوج الصالح حيث أصبح المهدي المنتظر بعيد المنال، تزوجت كل بنات عائلتها، جاراتها لا سيما الفاسقات منهن، لكنها بقيت تكابد الوحدة وهي في سن الخمسين. جرّبت كل شيء حتى الإعلانات في الجرائد والمساجد كلها كانت ذات محتوى واحد وهو الحصول على زوج شريف ومحافظ، لكنها لم تجن غير السنين التي تمر وتضيع هباء منثورا في انتظار مجرد سراب. «فاطمة الزهراء” بدورها بحثت دون كلل أو ملل عن الزوج المناسب، راسلت كل الإعلانات بالجرائد، قصدت المسجد وطلبت من كل النساء اللواتي تعرفهن أن يجدن لها زوجا صالحا لتكمل نصف دينها، لكن لا حياة لمن تنادي، إنها عانس وهي في سن الثمانية والأربعين، عائلتها لا تكف عن شتمها رغم أنه لا يوجد ما يعيبها، لكنها لم تجد ذلك الزوج الذي تحلم به واضطرت للتخلي عن كثير من قيمها ومبادئها في الحياة، لعل ذلك يحل المشكلة لكنها لم تحظ لا بزوج صالح ولا حتى فاسق. “ظروف قاهرة.. وأخلاق في الهاوية” هي الحقيقة المرة التي يجب أن يسدل عليها الستار، إنها ظاهرة شاذة أخذت فيها العاهرة لبنت الفاميليا كل شيء، وعوض أن تهمش وتنبذ، أصبحت سيدة مجتمع تحتل مناصب عمل مرفوقة، لتبقى بنت “الفاميليا” تعاني من أزمة البطالة وناهيك عن ظاهرة الزواج. حيث أصبح أغلب الرجال يبحثون عن المال بأي طريقة ولو بدفع زوجاتهم للمتاجرة بأجسادهن، لأنهم يبحثون عن المتعة الجنسية فقط، ولا يهم إن كانت متقنتها عاهرة أو ماجنة، المهم أن تتقن علاقتها الحميمة. والغريب أنهن لا يتزوجن إلا من رجال الأعمال وأهم كوادر الدولة الجزائرية، دون أن يحاسبن لا على ماضيهن أو عذريتهن أو علاقتهن الحاضرة والماضية والمستقبلية، إنها الحقيقة المرة التي أصبحت ستار “السحور” في البداية، لكن العاهرة أصبحت لا تحتاج لزيارة المشعوذة لأنها مطلوبة للزواج والعروض لا تتهاطل عليها إلا من عند فلان وفلان. الفتيات العاهرات أصبحن يعملن، والمتزوجات منهن يجلبن الفرص الجيدة لزميلاتهن في المهنة، في حين أصبحت بنت الفاميليا تعلق طلب الزواج في المساجد، تبحث فيها عن الشريك الصالح. كل هذا أدى إلى ظهور عدة آفات اجتماعية، فالأسرة لا ترحم والمجتمع كذلك، والنتيجة هي هروب “بنات الفاميليا” إلى مكان مجهولا، ناهيك عن انتشار ظاهرة الانتحار. ومن أمثلة ذلك أنه في قسنطينة انتحرت فتاة تبلغ من العمر 35 سنة من أعلى باب القنطرة وأخرى ببومرداس تبلغ من العمر 29 سنة، وهي طالبة جامعية وجدت مخنوقة بالحبل في الحي الجامعي للبنات ببومرداس، كل هذه الظواهر ناتجة عن الانحلال الخلقي الذي أتى على الأخضر واليابس، وأباد كل القيم الدينية والاجتماعية والإنسانية في ظل العمولة والغزو الثقافي، فأين هم الرجال الصلاح من رجال الدين الناضجين المنذرين بخطورة الوضع، ولماذا لا تطارد العاهرات وتهدم كل بيوت الدعارة، أم أنّ في الأمر مد لسياسة لابد منها وانتهاج لمقولة “دعه يعمل، دعه يمر”، وإلا فالبطش سيطولك، فالتزام الصمت وتقبل الوضع ربما هو الحل الوحيد. “ما كان لله دام واتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل” لما كان من مقاصد الشريعة حفظ العرض وحفظ النسل، جاء فيها تحريم الزنا، حيث قال تعالى: “ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا” (سورة الإسراء الاية32). الشريعة الإسلامية جمعت جميع الشرائع والطرق الموصلة إليه بالأمر بالحجاب وغض البصر وتحريم الخلوة بالأجنبية وغير ذلك. فالزاني المحصّن يعاقب بأبشع عقوبة وأشدها وهي رجمه بالحجارة حتى الموت، ليذوق وبال أمره وليتألم كل جزء من جسده، كما استمتع به في الحرام والزنى. وعذاب الزناة والزانيات في البرزخ أنهم يكونون في تنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يوقد تحته نار يكونون فيه عراة، فإذا أوقدت عليهم النار صاحوا وارتفعوا حتى يكادوا أن يخرجوا، فإذا أخمدت رجعوا فيها، وهكذا يفعل بهم إلى قيام الساعة، ويزداد الأمر قبحا إذا كان الرجل مستمرا في الزنى مع تقدمه في السن وقربه من القبر وإهمال الله له. فعن أبي هريرة قال: “ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم، شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر”، ومن شر المكاسب مهر البغي وهو ما يأخذ مقابل الزنى والزانية التي تسعى بفرجها محرومة من إجابة الدعوة عندما تفتح أبواب السماء في نصف الليل، وليست الحاجة والفقر عذرا شرعيا مطلقا لانتهاك حدود الله، وقديما قيل “تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، فكيف بفرجها”. في عصرنا فتحت كل أبواب الفاحشة وسهل الشيطان الطريق بمكره ومكر أوليائه وتبعه العصاة، رغم انقلاب البصر والنظر المحرم وانتشار الاختلاط وراجت أفلام الفاحشة وكثر الإيمان بالفجور، وقام سوق الدعارة وكثرة انتهاك الأعراض وزاد عدد أولاد الحرام وحالات الإجهاض، اللهم نسألك رحمتك ولطفك وسترك وعصمة من عندك تعصمنا بها من الفواحش، ونسألك أن تطهر قلوبنا وتحصن فروجنا وأن تجعل بيننا وبين الحرام برزخا وحجرا محجورا.