لقد اختار الله تبارك وتعالى لهذه الأمة أفضل المناسك وخير الشرائع والمناسبات والأيام والبقاع وجعل لهذه الأمة من مواسم الاجتهاد في العبادات والطاعات ما يتكرر ويدور لتبدد الفتور، وتجدد النشاط وتوقظ الغافلين، ومن أجلِّ هذه الأيام قدراً وأعظمها وأعلاها ذكراً، يوم الجمعة الذي هدانا الله له وقد ضلت عنه الأمم قبلنا. فهذه الأمة وإن كانت متأخرة عن الأمم السابقة في وجودها في الدنيا فإنها سابقة، لهم فهي أول من يحشر من الأمم وأول من يحاسب وأول من يدخل الجنة. ومن فضل الله تعالى على الأمة فيما يتعلق بالجمعة أنه يميز أهلها يوم القيامة حتى إن الناس ليغبطونهم ويعجبون بهم، كما في الحديث: “إن الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها، ويبعث يوم الجمعة زهراء منيرة، أهلها يحفون بها كالعروس تهدى إلى كريمها، تضيء لهم، يمشون في ضوئها، ألوانهم كالثلج بياضا، وريحهم تسطع كالمسك، يخوضون في جبال الكافور، ينظر إليهم الثقلان، ما يطرقون تعجبا حتى يدخلوا الجنة، لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون”. من آداب يوم الجمعة - الغسل والتجمل والتطيب: على كل مسلم الغسل يوم الجمعة ويلبس من صالح ثيابه، وإن كان له طيب مسَّ منه، والذي يستعد لهذا اليوم ويغتسل ويذهب إلى بيت الله مبكراً له فضل عظيم: “من غسّل واغتسل، وبكّر وابتكر، ودنا من الإمام فأنصت كان له بكل خطوة يخطو ها صيام سنة وقيامها”. “أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة وليلتها”: فيوم الجمعة سيد الأيام ورسول الله سيد الأنام، وكل خير نالته الأمة إنما كان بسببه وعلى يديه، لهذا كان للصلاة والسلام عليه في هذا اليوم مزية خاصة. - قراءة سورة الكهف: “من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يستضيء به يوم القيامة، وغفر له ما بين الجمعتين”. - التبكير إلى الجمعة: “من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر”. وقد جاء ابن مسعود رضي الله عنه إلى المسجد في يوم الجمعة فوجد ثلاثة سبقوه فأسف أنه لم يكن الأول ثم تذكر حديثا سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الناس يجلسون يوم القيامة على قدر راوحهم إلى الجمعات الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ، وما رابع أربعة من الله ببعيد”، ويقابل ذلك قوم غافلون، متهاونون، كأنه لم يطرق آذانهم الوعيد الشديد، فلم يعرفوا لهذا اليوم حقه ولم يكترثوا بفضله: “من ترك ثلاث جمعٍ تهاونا، طبع الله على قلبه”، ويقول عليه الصلاة والسلام وهو قائمٌ على أعواد منبره: “لينتهين أقوامٌ عن ودعهم الجمع والجماعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين”، وإذا كان الشرع المطهر قد حرم البيع والشراء من وقت النداء الثاني وعلى هذا الحكم إجماع أهل العلم فهل يصلح لأمثال هؤلاء المتهاونين الاعتذار بأعذار واهية؟! وهناك فئة كسالى، يأتون إلى المساجد في فتورٍ وملل، ينتظر الواحد منهم إقامة الصلاة، ليأتي مسرعاً ثائر النَفْسِ والنَفَسِ، يدخل إلى الصلاة مشوش الفكر، لم يراعِ أدب الإسلام في دخول بيوت الله، ولم يعمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التزام السكينة والوقار، فاته أجر التبكير إلى الصلاة، أما علم هذا الكسول أن منتظر الصلاة كالمرابط في سبيل الله، والملائكة تستغفر له ما دام في مصلاه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه؟ الله أكبر! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« لا يزال قومٌ يتأخرون حتى يؤخرهم الله”. دخلوا في سراديب الغفلة، وقست قلوبهم، أما يخشون أن يختم الله على قلوبهم، ويطمس أبصارهم، وينزع حلاوة الإيمان من قلوبهم؟