من المؤكد أن مارك جوكربيج (23 سنة) وهو مخترع موقع التواصل الإجتماعي الفايسبوك سنة 2004، لم يكن يدري أو على الأقل لم يكن ينوي أن يتحول اختراعه إلى أداة لسلب الأحلام وانتهاك الحرمات وممارسة كافة أنواع المكر والخداع بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ الإنساني، فعندما جلس مارك أمام شاشة الكمبيوتر في غرفته بإقامة الطلبة التابعة لجامعة هارفارد الأمريكية العريقة، وشرع في تصميم هذا الموقع الجديد على شبكة الانترنت، كان هدفه واضحا وبسيطا وهو تصميم موقع يجمع (زملاءه) في الجامعة، يمكنهم من تبادل أخبارهم وصورهم وآرائهم لا أكثر ولا أقل. رفض مارك جوكربيج بيع موقع الفايسبوك رغم أن السعر قد وصل إلى مليار دولار، وكان عدد المسجلين في الموقع الأسطوري قد وصل هذه السنة 750 مليون منتسب بعد أن سجل سنة 2007 حوالي 50 مليون منتسب حول العالم، هذا الموقع الذي ارتفع سعره بعد ذلك إلى 16 مليار دولار ولايزال يفتح شهية عمالقة الكمبيوتر من بينهم شركة ميكروسوفت التي تسعى إلى الاستحواذ على أكبر قدر من أسهمه، يأخذ هذا الموقع الإجتماعي على شبكة الإنترنيت في النمو بطريقة خيالية ينمو معها عدد المعارضين والمناهضين لمثل هذه المواقع، ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية، تشير التقارير إلى ما فعله العديد من الحقوقيين والقضاة في نيويورك عقب تنامي التهديدات على موقع الفايسبوك، حيث وجهوا هذا الأخير مذكرة استدعاء لمسؤولين من الموقع، وقال في تصريح للشبكة أن فحصا أوليا أوضح وجود أوجه قصور في الحماية التي يتمتع بها مستخدمو الشبكة، خاصة صغار السن منهم، حيث أن أحد المحققين قد تظاهر بأنه شاب صغير السن ودخل على موقع للشبكة فتعرض لملاحقة جنسية من قبل بعض المستخدمين، كما قال المدعي العام لولاية «كونيكتيكيت» «ريتشارد بلومينثال» لوكالة رويترز أن مكتبه عثر على ثلاثة مدانين بجرائم جنسية ضمن شبكة مستخدمي الفايسبوك، وأن على الشبكة القيام بالكثير من الخطوات قبل أن يشعر بالرضا الكامل تجاهها على حد وصفه، ومن جانبها تؤكد الشبكة أنها حريصة على القيام بكل ما هو ممكن لحماية مستخدميها في هذا الشأن، رغم أن الموقع ينمو بطريقة يعجز حتى القائمين عليه في توقعها ومواكبتها، وهي الحال بالنسبة لكافة الإختراعات العلمية والإبتكارات الكبرى، التي تتفاعل مع الحركة الإنسانية لتأخذ أبعادا لم يفكر روادها فيها من قبل. العالم الإفتراضي الذي ينمي السلوك الانحرافي! لم يبق الفايسبوك من وجود للخجل والحياء اللذان كانا يحولان كثيرا دون وقوع الإنسان في وقت سابق في ما لا يحمد عقباه، فالعقل الذي يصبر والقلب الذي يشعر والعين التي ترى والأذن التي تسمع، كل هذه التركيبة المتداخلة المصنوعة بروعة من الخالق عز وجل، كل هذا يصبح في زمن كان إذا ما انجرف مستعملو الشبكة وراء أهوائهم ورغباتهم، فلقد كسر الفايسبوك وقبله وبعده وبموازاته عشرات من المواقع الإجتماعية كافة الطابوهات الإنسانية التقليدية، وأصبح دخول منازل الناس وانتهاك أعراضهم وحرماتهم أمرا يسيرا، ويتم بعيدا عن العيون، فلقد أصبحنا نشعر فعلا بأننا نعيش مع عينات ويطلوبون في كل مرة المزيد وتقتنص الفرص لإشباع رغباتها الحيوانية، التي أطلقت لها المواقع الإجتماعية على الشبكة العنكبوتية العنان، وأصبحت مجتمعات تعيش عبر هذا العالم الإفتراضي الذي خلق أجيالا من أشباه الإنسان، أناس يعيشون بأتم معنى الكلمة عبر هذه الشبكة الغريبة التي لا نعرف عنها أكثر من معرفتنا بمن طورها وأدارها وساهم في انتشارها، ولماذا وأين وكيف تدار؟! وهذا يقودنا طبعا إلى القضية الأبدية التي تصادف مجتمعاتنا عن الركب الحضاري الإنساني أكثر من أي مجتمعات أخرى، فعلى الأقل فإن من اخترع وابتكر وطور هذه التكنولوجيات لهو خبير بما قد يطرأ على مستعمل تلك الوسائط الإتصالية من تغيرات نفسية واجتماعية، نحن لسنا هنا في صدد إلقاء التهم أو تحميل المسؤولية، بل نحن نحاول وضع النقاط على الحروف، والتنبيه إلى الخطر المحدق بالمجتمع الجزائري الذي هو في الطريق نحو الآلية والرتابة في كل شيء. أجيال متشابهة في كل شيء رغم أنها مختلفة في كل شيء! يتيح الفايسبوك لكل من يريد فتح حساب واشتراك يسمح له بالولوج الحر إلى هذا العالم الخفي الموازي للعالم الحقيقي، إنه عالم الأوهام.. العالم الإفتراضي.. فرغم أننا وجدنا وأشبعنا من الحاجة المعرفية والإنسانية الكثير ولانزال، حتى أننا حولنا هذا الموقع إلى منطقة حرب نشن من خلالها حربنا السلمية ضد كل ما هو رديء وخطير على الإنسانية، إلا أن مساوئ الفايسبوك ومعه باقي المواقع لهي أخطر، لأن المجموعات التي تحولت إلى مجتمعات افتراضية متشابكة ومتشابهة الخصائص والسمات، كسرت من ثمة كل العادات والإختلافات الثقافية والدينية والحضارية والبيئية، حيث تحولت أجيال الشباب عبر العالم إلى أجيال متشابهة في كل شيء، رغم أنها مختلفة في كل شيء! إن جزءا من رواد الفايسبوك ولا أقول كافة أفراده، لأن هناك جزءا أيضا من المستعملين واعين بهذا الموقع وبأهداف ولوجهم له أيا كانت تلك الدوافع وتنم عن معرفة سابقة وتخطيط لهدف يكون في أغلب الأحيان، إما التواصل مع أفراد العائلة، البحث العلمي، المعرفة، التلفزيون، وغيره من الدوافع الطبيعية التي تثري حقيبتنا العلمية. بإمكان المتصفح للموقع العثور على مجموعات وصفحات مخصصة لممارسة كل ما هو محرم لدى أغلب الأعراف والأمم الإنسانية والأديان، كسر كل الحواجز وأباح كل ما هو محرم ومنبوذ، كيف لا والموقع يتيح لمستخدميه السرية والكتمان، مشجعا بذلك هذه الأرواح الضائعة لممارسة كافة أشكال الجنون في عالم وهمي وافتراضي ينتهي لتكوين وتنشئة أشخاص معقدين يعيشون في عالم غير عالمنا، وآخرين مرضى بكل الآفات والأمراض الأخلاقية التي تحطم العقول والأخلاق. فتيات وشبان يستدرجون ضحاياهم وفقا لاختيار مسبق! يقول »زكريا« وهو شاب في 28 من عمره من العاصمة »لقد تعرفت على فتاة في مقر العمل، كان الحياء آخر همها، فاجأتني لما طلبت مني عنوان حسابي على الفايسبوك، ترددت، لكني أعطيتها وتحدثتنا لفترة قبل أن يصيبني القرف من تصرفاتها، فكل ما لا تقوله لي في الحياة الواقعية، تصارحني به في الليل عبر الموقع، كرهت نفسي وكرهتها وأغلقت هذا الموقع وأنا الآن أحاول نسيان هذه التجربة الأليمة مع هذه الفتاة المريضة». لم يكن الحديث مع زكريا صعبا هو وعدد من الطلبة الذين صادفناهم في إحدى الجامعات بالعاصمة، إضافة إلى عدد من الأشخاص الذين حدثونا تقريبا في نفس الإطار، حيث أشار مجملهم إلى مدى الانحلال الخلقي الذي انتشر في أوساط الشباب الذين يستخدمون الأنترنت لأغراض وضيعة، ف»عبد الرحمن» شاب في ال35 من القبة كان أكثر تفاؤلا من سابقه، حيث قال «لقد مررت بتجارب قاسية ووقعت ضحية لأكاذيب كثيرة من عدد من الفتيات الغريبات الأطوار، لكني اليوم أستعمل الفايسبوك للحديث مع زوجتي وطفلتي من المكتب، كما أني أنشط في عدد من المجموعات الجيدة ولدي أصدقاء من كافة أنحاء العالم، الموقع يسمح لي بالتعبير عن ذاتي وشخصيتي ويسمح لي بالتواصل بشكل ممتاز وجذاب، المسألة هي مسألة وعي واختيار وكل شخص يتحمل مسؤولية اختياره». أما «سارة» من باش جراح وهي في العشرين من عمرها، فاجأتنا بصراحتها التي كانت بادية من خلال كلامها بشكل غير مسبوق، حيث قالت «أنا أستعمل الفايسبوك أجل، وأحبه كثيرا، ولا أستطيع تخيل حياتي من دونه، أما لماذا؟ فلدي صديقاتي وأصدقائي ونحن على تواصل دائم كل الوقت.. أجل أستعمل الفايسبوك لتمضية الوقت والإستماع لأشخاص يبادلونني الحب بطريقة غريبة، وهذا لا يمتعني، ولكني تعودت عليه، أما مشاعري فلا أدري، أنا لا أؤمن لا بالحب ولا بغيره، الحياة اليوم هي فقط تقوم على المادة». كانت تصريحات هذه الشابة اليافعة بكل تأكيد تحمل مدى خطورة الوضع ومدى القوة التدميرية التي قد ينطوي عليها استخدام التكنولوجيات الإتصالية بما فيها الفايسبوك بشكل غير مدروس ولا مراقب من الأولياء، من جهة أخرى، قالت «حنان» وهي في 23 من عمرها «أنا أبحث عن تمضية الوقت، لكني أؤمن بأني قد أقع في حب شاب جيد عبر الفايسبوك، لأننا اليوم لم نعد نتحاور بشكل مباشر أكثر من كلامنا عبر الفايسبوك والهاتف النقال.. وأنا أملك مئات الصداقات مع شبان وشابات من كافة الأنحاء وهو أمر ممتع، فأنا أحب الدردشة عن كل شيء دون استثناء، لأني أتمتع بالسرية وهذا يسمح لي بالتعرف على أشياء كثيرة.. أجل أنا على علاقة بعشرات الأشخاص في نفس الوقت». أقل ما يقال عن تصريح هذه الفتاة الجريئة هو أن الأقبح من الوقوع في الذنب هو عدم الشعور بالذنب.