أعلنت من قبل أنني تقدمت بمشروع بحثي لتحليل استراتيجية إسرائيل 2028 بصفتي نائب رئيس مجلس إدارة المركز المتخصص بدراسات الصراع العربي- الإسرائيلي في جامعة الزقازيق. وبما أننا قد انتهينا من البحث الذي شاركني فيه تسعة من الأساتذة المصريين المتخصصين في المجالات المختلفة، وبما أنني أفصحت مراراً في «وجهات نظر» عن انحيازي لمفهوم الدولة الراعية لمواطنيها ورفضي للنظام الاقتصادي الذي يغل يد الحكومة عن رعاية مواطنيها بتسيير الخدمات التعليمية والصحية والإسكانية وغيرها لهم بأسعار رخيصة أو مجاناً ويحول بينها وبين تهيئة الظروف لخلق فرص العمل وكفالة الأجور العادلة، فإنه يهمني أن أقدم للسياسيين العرب وقادة الرأي مواقف استراتيجية إسرائيل من النيوليبرالية. إن هذه الاستراتيجية، التي تمثل خطة تنمية شاملة تستهدف الوصول بإسرائيل إلى مصاف الدول من العشر إلى الخمس عشرة الأولى في العالم بمعيار متوسط دخل الفرد والتقدم الاجتماعي والعلمي الشامل، تصوغ أحد أهدافها الكبرى بحيث يجري الجمع بين ميزات اقتصاد السوق، أي النظام الرأسمالي، وبين رفض التوجه نحو الاقتصاد النيوليبرالي فيما يتصل بدور الحكومة في الاقتصاد وذلك لبناء اقتصاد حر ومتوازن وعادل يتمتع بعاطفة إنسانية، ويعتمد على قدرات الشعب الثقافية والعلمية والتكنولوجية وعلى ثراء رأس المال البشري. ومن المعروف أن الاتجاه النيوليبرالي يميل إلى تقليص دور الحكومة في الاقتصاد ورعاية المواطنين من الشرائح الشعبية والوسطى، وهو ما يجعل بعض الباحثين الأمريكيين يختصرون تعريفه في القول إنه الاقتصاد الذي يمكن الأثرياء من أن يزدادوا ثراءً، ويجعل الفقراء أكثر فقراً. وأرجو أن نلاحظ هنا أن واضعي استراتيجية إسرائيل 2028، الذين يرفضون التوجه النيوليبرالي هم من رجال الأعمال والخبراء والعلماء، وقد بلغ عددهم 73 من الولاياتالمتحدة وأوروبا وإسرائيل. وأقصد بهذه الملاحظة القول إن على الاقتصاديين والسياسيين العرب الذين يعجبون بالنيوليبرالية ويزينون لنا تطبيقها أن يراجعوا موقفهم، ذلك أنه عندما تدعو استراتيجية إسرائيل 2028، لتجنب الاتجاه النيوليبرالي فإن هذا يعني أن من يؤمنون بالنظام الرأسمالي هم أنفسهم غير مستعدين لقبول النمط الخبيث والمتوحش منه الذي يحرم المواطنين في المجتمعات المختلفة من رعاية حكوماتهم الواجبة لهم. ومن هنا تتحدث الاستراتيجية عن اقتصاد يتمتع بعاطفة إنسانية ولا يتسم بالجمود العاطفي والوحشي تجاه قاعدة المواطنين. وفي تحليلي لأسباب الثورات العربية الراهنة اعتبرت أن بعض الحكومات التي أهملت حقوق مواطنيها الاقتصادية ورفعت يدها عن تيسير الخدمات ومرافق الحياة لهم هي التي فجرت الثورات بتماديها في الغباء السياسي وحرمان الجماهير من الثروة الوطنية. لقد انفجرت موجة الاحتجاجات المتواصلة في إسرائيل لأن الحكومة الحالية ترفض تيسير حياة الطبقة الوسطى وهو ما يعني أن واضعي استراتيجية 2028 كانوا على حق عندما طالبوا برفض التوجه النيوليبرالي المطبق في إسرائيل. ومرة أخرى أرجو أن يتمكن العالم من محاكاة نمط الدولة الراعية الذي نعثر عليه في الدول الاسكندنافية ودول الخليج، حيث تدرك الحكومات واجباتها تجاه مواطنيها.