مراسلة خاصة بالسلام إلى أين نسير لقد قامت منظمة العفو الدولية بوضع عشرة مبادئ لإحلال سلام دائم على أساس حقوق الإنسان: -لكل فرد الحق في الحياة والحريّة والأمان على شخصه. ... -لا ينبغي لأحد أن يتعرّض للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة... -لا ينبغي لأحد أن يتعّرض للاعتقال والاحتجاز التعسفيين. ... -لكل فرد الحق في محاكمة عادلة... -جميع الأشخاص أحرار ومتساوون في الكرامة والحقوق. .... -لكل فرد الحق في حرية التنقل. ..... -لكل فرد الحق في العودة إلى بلده.... -لكل فرد الحق في حرية الفكر والرأي والتعبير. .... -للمرأة الحق في المساواة الكاملة... -ينبغي ألا يكون هناك إفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان. ..... هذه المبادئ بديهيه وموجودة في كل الأعراف الدينية والإنسانية فلماذا لا تُطبق؟ لماذا لا زال اللاجئون في الغربة؟ لماذا احتمل الشعب المصري حسني مبارك لثلاثين عامًا؟ إنّ الأجوبة في أفكارنا جميعا. ربما يكون من الحكمة أن نتعلم من هذه القصة عن الهنود الحمر : يحكى أن شيخًا من قبيلة الشيروكي تحدّث إلى حفيده قائلا: "هنالك قتال يدور في داخلي وهي معركة رهيبة بين اثنين من الذئاب واحد شرير يمثل الغضب والحسد والحزن والأسف والجشع والغطرسة والرثاء للذات والشعور بالذنب والاستياء والشعور بالنقص والكذب والكبرياء الزائفة والشعور بالتفوق والأنا" وتابع "أما الذئب الآخر فهو طيب -- يمّثل الفرح والسلام والحب والأمل والصفاء والتواضع واللطف والإحسان والتعاطف والكرم والصدق والرحمة والإيمان.إنّ هذا الصراعَ نفسَه بين الذئبين يحدث في داخلك أيضًا -- وداخل كل شخص آخر . "سأل الحفيد جده ، "أي ذئب سيفوز؟ " أجابه الجد ببساطة "الذئب الذي تُطعمه". هناك نزعات بعضُها حسنة وبعضها سيئة وهي موجودة في كل مجتمع ، وأيضا داخل كل إنسان. كمثال معظم الفلسطينيين الذكور الذين تزيد أعمارهم على 40 عام لهم خبرة في السجون الإسرائيلية. ما يقرب من 500000 من الضفة الغربية وحدها. و تقدم مثالا ملهما للتضحية بالنفس حتى أن النضال لفلسطين بات مرتبطا مع فولكلور الأحرار والمعتقلين، ولكن نظرًا لهذا العدد الكبير فإنه ليس من المستغرب أن أقليّة قليلة من هؤلاء استخدموا تاريخهم في السجون لمصالح شخصية أو مالية وبعضهم حتى تحول ليتعاون مع العدو. قال شخص يدعو الآن لقيادة المقاومة الشعبية لنا في لقاء غير رسمي حول الفترة التي قضاها في السجن خلال انتفاضة 1987-1991 عندما تم سجنه وعشرات الآلاف من الفلسطينيين ولعله في زلة لسان قال لنا: "كانت فترة ضحينا فيها لأجل فلسطين فقط مش عشان المنفعة الخاصة ومناصب ورواتب". لكن من الواضح أن الغالبية العظمى ما زالت تكافح من أجل الثوابت الفلسطينية :الحرية ، وحق العودة ، وحق تقرير المصير. ولكن نسمع السلبيات في التجمعات وأعتقد أن الفساد مبالغ فيه ولكن يجب مناقشته علنا وبوضوح لأنه يخلق الإحباط بين الناس أو على الأقل يُستخدم كذريعة من قبل كثير من الناس ليبرّر عدم الانخراط في المقاومة. إنّ الفلسطينيين ليسوا أفضل أو أسوأ من أي شعب آخر في الفساد أو التفاني في خدمة الآخرين. والكل منا هذه الذئاب المتصارعة. في كتابي الأخير ذكرت مئات الأمثلة من المقاومة البطولية والملهمة من شعبنا على مدى 130 عاما الماضية. في كتابي القادم اخترت أكثر من 15 قصة لتوسيع النقاش والتحدث بالتفصيل عن أفراد وأسر يقدمون لنا أمثلة عن التضحية والوفاء للوطن. بالتأكيد يمكن أن نكتب بعض الكتب عن الفساد في المجتمع الفلسطيني. وقد ظهرت بعض منها محدّدة تتناول مسائل معينة، هنالك أيضا كتب حول الفساد السياسي والمسارات السياسية الخاطئة. نعرف أن بعض الأفراد الفلسطينيين باعوا ضميرهم ببيع الأراضي أو الوشي بآخرين. نعرف بعض الأشخاص الذين تعاونوا مع إسرائيل أو الدول الغربية الأخرى. نعرف بعض الأشخاص الذين يستغلون الأجانب الذين يأتون لدعم فلسطين. هنالك من يجري وراء المال أو الرحلات أو حتى تلبية رغبات جسدية. نعرف بعض الأشخاص المتسلقين ونعرف بعض الأفراد ذوي الغرور الذي يعتقدون أنه من دون بقائهم في كراسيهم وقيادة هذه المجموعة أو ذلك الفصيل أو المؤسسة فإن الأمور سوف تنهار. بالمناسبة أعتقد أن جميع المناصب في الحياة ينبغي أن يكون لها حدٌّ أقصى مدته ست سنوات سواء كان رئاسة إحدى المنظمات غير الحكومية أو حزب سياسي أو بلد أو أي شيء آخر ، وينبغي وجود تشريعات لمنع الجلوس في المقاعد لفترات أطول.
ولكن كل منا نعرف في أعماق قلوبنا أنّ الأغلبية من الناس لا تغذّي ذلك الذئب الشرير. ونعرف أيضا من خبرات شخصية أنه في ذروة الانتفاضة سيكون هناك المزيد من الناس الذين يخدمون بصدق وولاء لفلسطين. نلاحظ من تاريخنا أنّ هنالك فجوة بين السياسيين وبين الشعب تزيد بين الإنتفاضات وتصغر في ذروه حراك الشعب.. فقط كمثال عشوائي ، في الفترة 1923-1928 ، كانت الفجوة بين السياسيين والشعب واسعة جدا. كان هناك أكثر من 15 فصيلًا سياسيًّا يقود معظمها أفراد كانوا في كراسيهم لسنوات. كان تركيزهم الأساسي المصلحة الذاتية.مع أن بعضهم بدأ بطريقة جيدة. جاءت انتفاضة عام 1929 وثم انتفاضة 1936-1939وغيرتهم. سمعنا أحد "القيادات" يقول انه ينتظر انتفاضة جديدة وسيرجع الناس لنا. لكن للتاريخ دروس أخرى. وهناك قادة (معيّنون أو منتخبون) يحبون أن يقفوا أمام كاميرات التلفزيون في الأحداث لبناء سمعة أو تقدير. ولكن معظم الناس أذكى من توقعاتهم . ولذا أزاحت معظم الانتفاضات القيادات القديمة ووضعت مكانها قياداتٍ جديدةً. تم تأسيس العديد من الفصائل الجديدة على سبيل المثال خلال انتفاضة 1921 ، 1929 ، 1936 ، و 1987. إنّ المستعمرين دائما يقتلون من المواطنين أكثر مما يُقتل منهم. على سبيل المثال نسبة القتلى الفلسطينيين عشرةُ أضعاف الاسرائيليين. لكن طبيعة الصراع تطورت في العقود القليلة الماضية مما جعل المواجهة العسكرية أقل قبولا والقوة العسكرية غير قابلة لتحقيق أهداف المستعمرين ،ويمكن للناس تحدّي قوة عسكرية قوية جدا. يمكن رؤية أمثلة في فشل الولاياتالمتحدة في العراق وفشل الهجوم الإسرائيلي على لبنان في صيف عام 2006 وقطاع غزة في ديسمبر 2008. يمكن أيضا أن نرى إسقاط الأنظمة الدكتاتورية في العالم العربي على الرغم من أن طبيعة القوات اللازمة لتحدي القمع الداخلي والخارجي مختلفة وهنالك الان محاولات تجيير الثورات العربية لمصالح أخرى. إنّ الثورات ليست مضمونة النجاح ولكن الشعب يستمر في المقاومة. في نيوزيلندا واستراليا وأمريكا الشمالية وكان هناك تدمير واسع النطاق لمجتمعات السكان الأصليين على مدى 400 سنة الماضية وحتى الآن المتبقون يواصلون المقاومة. في جميع الحالات اعتمد المحتلون على طرق تشمل "فرق تسد" وإضعاف السكان المحليين وبالتأكيد إطعام الذئب الشرير. في جنوب أفريقيا كان هناك أيضا العديد من الفصائل المتنافسة والاقتتال وحتى الكثير من التعاون والتوافق مع نظام الفصل العنصري (انظر على سبيل المثال قيادة البانتوستانات). الدروس المستخلصة بسيطة وواضحة بالنسبة لأغلب الناس اليوم. في فلسطين ، كان المستعمرون الصهاينة في الواقع أشدَ قوّة من أي المستعمرين في التاريخ واستعملوا كلَّ الأدوات ومقاليدَ السلطة التي تحت تصرفهم. كان تحت تصرف الحركة الصهيونية أناس متعلمون وفي مناصبَ مهمةٍ في جميع مناحي الحياة في بلدان كثيرة ومهمة. كان لديهم الثروةُ والسلطة و هي ليست ثابتة في مجتمع واحد مثل القوى الاستعمارية البرتغالية أو البلجيكية أو الفرنسية. وتمكن الصهاينة من تحقيق أمور كثيرة قبل استعمالهم القوة العسكرية: أشياء مثل وعد بلفور من بريطانيا ، ووعد كامبون من فرنسا عام 1917. وحتى في وقت مبكّر من تلك السنوات تمكّن حاييم وايزمن من الحصول على وعد من الملك فيصل. ولكن هذا لا يلغي حقيقة وجود عرب وفلسطينيين ناشطين حقّقوا نجاحاتٍ هائلةً كلّفت المستعمرين كثيرا. من هؤلاء كان لدينا أشخاص مثل روحي الخالدي وحافظ عبد الهادي في أواخر القرن 19. أشخاص مثل موسى كاظم الحسيني وماتيل مغنم في العشرينات. وعبد القادر الحسيني وآلاف آخرين في الثلاثينات والأربعينات. كان لدينا أبو جلدة والعراميط. وكان لدينا أولئك الذين قاوموا بعقولهم وأقلامهم مثل غسان كنفاني ومحمود درويش و إدوارد سعيد فدوى طوقان وناجي العلي. كان لدينا طابورٌ طويل من عشرات الآلاف من الشهداء. ويستمر الصراع ونتائجه ستعتمد بشكل كبير على هذا التوازن بين إرادة الشعب والقلة التي تستفيد من النظام كما هو. وبعبارة أخرى فإن النتيجة النهائية تعتمد على جمع الذئاب الطيبة التي ستنتصر على الذئاب الباقية السيئة. يمكن أن تنجح المقاومة الشعبية جزئيا ومحليًّا كما رأينا في نضال القرى ضد جدار الفصل العنصري. بدأ بناء هذا الجدار عام 2002 وكان من المتوقع أن يتم الانتهاء خلال 3 سنوات وتكلفه 2.5 مليار دولار. وها نحن بعد تسع سنوات ولم يُبن أكثر من 70 ٪ منه وكلّف أكثر من ثلاثة أضعاف. وهذا كان نتيجة المقاومة الشعبية. وكانت مقاومة شعبية فعالة جدا في استخراج الاعتراف بالحقوق الفلسطينية حتى ولو كان هذا جزئيا في بعض الفترات على سبيل المثال ، بعد انتفاضات 1936 و 1987. مقاومتنا أيضا بالصمود والذي أدى ألى تواجد 5.5 مليون فلسطيني في فلسطين التاريخية اليوم (حوالي عشر أضعاف ما كان تعدادنا سنة 1917. ومَن يقول اليوم أنّ هنالك فرقًا بين الاستشهاد في المقاومة المسلحة والاستشهاد في المقاومةِ غيرِ المسلحة (مثلا الشهداء غسان كنفاني أو مصطفى التميمي أو باسم أبو رحمة) يكون مخطئًا. إنّ النضال من أجل الحرية ، سواء أكان مسلّحًا أو غيرَ مسلح يتطلّب خطّةً ومطالبَ واضحة. وفي قضية فلسطين المطالب هي كل الحق في العودة إلى بيوتنا وأراضينا والحق في العيش بمساواة والحق في تقرير المصير. في عام 2005 جاء المجتمع المدني الفلسطيني بدعوة (بوضوح) إلى العمل لتحقيق هذه المطالب العادلة. ونحن نسعى أيضا لمجتمع ما بعد التحرر والعودة يشمل الديموقراطية والشفافية والشمولية. لا ينبغي لنا أن ننتظر حتى التحرير لتطبيق هذه المبادئ فالغايات لا تُبرر كل وسيلة. لا معنى لإلقاء محاضرة حول التكتيكات والاستراتيجيات. من الأفضل بكثير الحصول على المشاركة والعمل مع حركة المقاومة الشعبية المتزايدة لتسريع التغييرات والتي بدأت بالفعل والتأكيد على أن تبقي إيجابية. في حين أن الكلمات والأفكار هامة وخاصة قول الحقيقة فينبغي علينا أن نتذكّر دائما أن الكلماتِ دون العمل تصبح بلا معنى. ولنبدأ دائما بأنفسنا بتغذية الذئب الطيب. إنّ الإستعمار بطبيعته ينطوي على استخدام العنف ضد السكان الأصليين وخاصة أولئك الناس الذين يتم تجريدهم من أراضيهم وديارهم. بطبيعة الحال يقوم المستعمرون بقتل المحليين وتجريدهم من ابسط حقوقهم الحياتية, اذ ان المستعمر ينظر للمحلّي نظرة استعلائية لا يرى من خلالها حقَّه في الحياه ولذالك يكون من السهل قتله. بالمقابل يقوم المحليون بمقاومة الاستعمار الذي يأخذ أيضًا اشكالَ المقاومة العنفية. الا انّ كون المحلي مجرّدًا من القوة العسكرية والسيطرة فتكون المقاومة " العسكرية" محدودة وتؤدي لعدد قليل من الضحايا نسبة للضحايا التي يوقعها المستعمر بالناس المحليين. فعلى سبيل المثال كان معدل المدنيين الذي لقَوْا حتفهم هو 10 فلسطيني:1 إسرائيلي. و في كل الحالات الإستعمارية تولّد المقاومة بكافة أشكالها والتي يُعترف بها ومشروعة من قبل القانون الدولي. لنتذكر أن مفهوم القوه ليس محصورا بالقوة العسكرية (أنظر مثلا أنواع القوة والإمكانيات التي جُندت للإستعمار الأسرائيلي قبل سنة 1948 وحتى بعدها). … يتبع