باتت معارض الكتاب في الجزائر منبرا لتمحيص وغربلة ما تكتبه بعض الأقلام المبدعة كما أضحت في ذات الوقت ينبوعا لتدفق وجوها إعلامية تفيض شغفا بنقش أسمائها على صفحات الساحة الثقافية في ظل رداءة ما يقدمه البعض من نصوص . ولوجنا الى معرض الكتاب الدولي في طبعاته العديدة أماط اللثام عن ظاهرة بروز نصوص لصحفيين تأرجحت متونها بين الرواية والشعر وبين الإبداع والرداءة، ظاهرة قادتنا لتساءل عن مدى تأثر الصحفي بالحركة الثقافية ومحاولة ولوجه عالم الكتابة بإي شكل من الأشكال إن لم نقل عنوة في ظل فقدان الموهبة، أمرأجمع عليه العديد من الإعلاميين والكتاب، مؤكدين على أن الممارسة الإعلامية ليس لها أن تلد منتوجا أدبيا حقيقيا مالم يكن الصحفي موهوبا ومتمرسا، حيث رفض بعضهم إطلاق تسمية "الكاتب" على إعلامي صدرت له رواية او قصيدة شعرية مالم يكن متشبعا بثقافة كبيرة تأخذ بيده الى بر الأمان .. مغالطة طفت على سطح الساحة الإعلامية والثقافية جاعلة من الكتابة ملاذا للكثير، مما استوجب حسب العارفين بالمشهد الثقافي الاستعانة بفرن نقدي فمن يخرج منه سالما فهو عنوان لموهبة كبيرة ومن احترق تبخر لم يكن الا فقاعة موسمية تنتهي مع نهاية كل معرض للكتاب. اعدته: راضية صحراوي قادة زاوي مدون وصحفي "احتكاك الصحفي بالحركة الثقافية جعلته صانعا للمنتوج الأدبي" ثمن الصحفي والمدون قادة الزاوي، دور الإعلام المحلي في تنشيط الحركة الثقافية، وتأثيرها على عمل الصحفي باعتبار أن هذا الأخير، مضيفا محدثنا، واجهة للمشهد الثقافي لدى الجمهور القارئ، كما يكون بنفس الوقت متأثرا به. وأرجع زاوي تحول الصحفي من نشاطه كمطلع على الحركة الثقافة ومتخذا إياها في عمله الإعلامي الى صانع لمنتوج ثقافي أدبي، الى ذاك الاحتكاك بالميدان الثقافي من كتاب ومفكرين ومثقفين من مختلف المجالات وعلاقته الوطيدة بهم. ومن هنا يضيف المدون " لربما تأتي تلك العلاقة التي تتولد ما بين الصحافة كمهنة والإبداع الأدبي كهواية داخل نفس واحدة". حيث يجد نفسه الصحفي منجذبا وتتولد لديه تلك الرغبة التي تنبئ عن موهبة في كثير من الأحيان، ما يخلق منتوجا ثقافيا متعددا. وعن ما أضافه الإعلام للجيل الجديد من الكتاب، يظن قادة أن الإعلام الجديد وخصوصا الشبكات الاجتماعية (الفايسبوك كمثال) أصبح له دوره الفعال في التسويق للمنتوج الثقافي خصوصا ما تعرفه البيئة الثقافية في الجزائر من نقص حاد في هذا الاتجاه. محمد بغداد كاتب والإعلامي "ليس كل من كتب نصا إبداعيا يصبح كاتبا، ويخرج من كونه صحفيا" يعتقد الكاتب والإعلامي محمد بغداد، أن الممارسة الإعلامية الحقيقية، هي من تنمي قدرات التعبير الحضاري الجيد، وتجعل الإنسان ينظر إلى الأمور من زوايا مختلفة، حيث تدفعه إلى الاهتمام بالمعاني والحقائق، أكثر من القشور والجزئيات، وهذا يعني أنه سيكون مجبرا على المزيد من القراءة والمتابعة الفكرية، والاستزادة المعرفية، التي تتجاوز الاليات المنهجية في الكتابة الصحفية، إلى العوالم الإبداعية،مضيفا إلى أن المخالطة المتفاعلة مع الممارسين والمحترفين من الكتاب والباحثين، الذين يمدون المتلقي بخبراتهم ومعارفهم وتجاربهم، يجعلونه ينتقل إلى المستويات الاعلى، قائلا هناك فرق كبير بين الكتابة الصحفية، والممارسة الإعلامية، والانتقال إلى الكتابة المعرفية. واعتبر محدثنا ان امتلاك الصحفي خبرات والمواهب هي من تعينه على الجمع بين كيفية التعامل مع الفكرة والتعاطي مع الحدث في المستوى الصحفي، ما يجعله يقدم شيئا إلى المعرفة الإنسانية العامة الجيد والنوعي. وعن تجربته الشخصية أوعز الإعلامي محمد بغداد نجاحه الى المثقفين الكبار، الذين كان لهم الفضل في تأسيس التقاليد الحضارية في الكتابة، حيث تعلم منهم الأمانة والمسؤولية والصدق والانفتاح على الأخر، والرغبة في معرفة الحقيقة واحترام القارئ، وبالذات ذوقه وذكاءه وما يجب أن يقدم له، كاشفا على مدى حرصه على فتح باب النقاش والحوار في كل ما يكتبه. ويرى محمد بغداد، أن الكتابة ممارسة مقدسة،وشرف كبير، لا يظفر به إلا القليل من الناس،معتبرا اياها مسؤولية تاريخية كبيرة، ومغامرة خطيرة العواقب، قائلا "ليس كل من كتب نصا إبداعيا (شعرا، قصة أو رواية) يصبح كاتبا"، ويخرج من كونه صحفيا"، مشيرا أن النكهة الحقيقية في الكتابة لاتكمن في النشر والطباعة بل فيما يمكن أن يضفيه الكاتب من لمسات إبداعية يبحر من خلالها القاريء الى ضفة الاستمتاع وجني المعارف والخبرات والمهارات. كما فرق بغداد بين الصحفي الموظف، الذي يمارس مهامه التحريرية العادية، وبصفة دورية، وبين الإعلامي المثقف، الذي يتجاوز المستويات التحريرية، لينتقل إلى الدرجات الجديدة، في التعاطي مع الأفكار وإنتاج الآليات الكبرى، التي تجعله يضيف الجديد للمعارف الإنسانية. كما أن الأمر يتعلق بموضوع ميلاد وتطور النخب، التي عادة ما يكون مصدرها عوالم الصحافة والإعلام، ليس باعتبار ذلك موقع الإشهار والإبهار والنجومية، بل كون ذلك العالم يمتلك القدرات والأدوات الجيدة، في الحصول على المعلومات، بما لا يتاح لغيره من المجالات، ولكن الصعوبة الحقيقية، تكمن في كيفية التعامل الصحيح مع المعلومات، والاستفادة منها والاستثمار فيها. الصغير سلاّم كاتب وإعلامي جزائري مقيم في دبي الصحفي لن يكون كاتبا متميزا دون الموهبة الحقيقية والتجربة الإعلامية يجزم الصغير سلام الكاتب والاعلامي مقيم بدبي، على أن الصحفي العامل بالأقسام الثقافية لن يصير يوما ما شاعرا أوروائيا أوحتى قصاصا لأن الصحافة مهنة والكتابة إبداع ورواية .."وإلا لماذا لا يصبح الصحفي القسم الرياضي عداءا ولاعب كرة أو يصبح الصحفي المهتم بالعلوم طبيبا..الاحتكاك بالنخبة تجعل الصحفي محترفا ومتمرسا وملما بالواقع الثقافي وصاحب علاقات جيدة مع الفاعلين الثقافيين ولكن لن يمنحه ذلك الموهبة وموهبة الكتابة على وجه الخصوص ..والأمر لا يمكن وصفه بالتحول فإما أن تكون للصحفي أوللصحفية موهبة كامنة ثم مع الممارسة وتجارب الحياة ينفجر ينبوع الموهبة دفاقا فيكتب ويؤلف وإما أنه دخل المهنة عن دراسة أكاديمية وبالتالي فهو صحفي وليس مطلوبا منه سوى أن يكون محترفا محترما لمهنته ولشخصه وعن تجربته اشاد الصغير سلام بالإعلام الجزائري الذي من خلاله تعلم أبجديات الصحافة بالجزائر حيث منحت له فرصا لا تمنح لأي شاب في مثل عمره يقول سلام آنذاك في دول أخرى.. قائلا" لقد كنت رئيس تحرير لصحيفة الشروق الثقافي في بداية التسعينيات (1993) رفقة الإعلامي والشاعر عياش يحياوي وكانت الفرصة أن تعاملت من كبار الكتاب والمسرحيين والسينمائيين والشعراء والروائيين والمثقفين..تعرفت على المرحوم عبد الحميد بن هدوقة والمرحوم أبوالعيد دودو، جيلالي خلاص، واسيني لعرج، طاهر وطار، مصطفى الغماري، عمار بلحسن، عيسى شريط، لخضر فلوس، عيسى لحيلح، بوزيد حرز الله ،فاطمة بن شعلال، بشير مفتي، علال سنقوقة، منيرة سعدة خلخال، عبد الكريم قذيفة، عبد الله الهامل، ابراهيم قرصاص، عادل صياد، عبد الوهاب زيد ،عبد الله الهامل، عبد الوهاب تامهاشت، ناصر لوحيشي، أحمد منور وغيرهم الكثير.."، لقد دخلت حينها، يضيف سلام، "مملكة المثقفين وعرفت أسرارها وتفاصيلها عرفت تجلياتهم ونزعاتهم الرجولية والصبيانية وعرفت أن الأدباء ليسوا هم بالضرورة هم المثقفون إنما هم رجال المسرح، السينما، الموسيقى، الرسامون، المترجمون وكتاب التاريخ". مقومات تجعل يضيف الصغير سلام، الصحفي الأقرب إلى الكتابة من غيره..دون أن يكون بالضرورة روائيا او شاعرا فالمسألة حسب محدثنا تعود الى الموهبة بالدرجة الأولى قائلا "سيظهر من لديه نفسا روائيا عميقا ومن أنفق بعض الدنانير لطباعة نص سمي رواية"..متسائلا عن لجوء الكثير منهم إلى الكتابة في الرواية كون أن الشعر له قواعد وأوزان فلا يمكن يضيف الصغير لأي شخص وبأخص الصحفي أن يكتب رواية دون أن يفرق بين السرد والتناص أو تحكم في تقنية الفلاش باك وتركيب المشاهد وتحليل الشخصيات وتركيبها وتفكيكها..ويعتقد أنه مع هذا الكم الكبير من الروايات أننا بحاجة الآن إلى نقاد يضعون هذا العدد الهائل من العناوين الروائية في فرن النقد وما خرج منها سالما فهو عنوان لموهبة كبيرة ومن احترق تبخر ولم يكن سوى فقاعة موسمية تنتهي مع نهاية معارض الكتاب ك"السيلا". بلقيس الونشريس [email protected] نشر المقال في الوطن الجزائري