لايجوز لزائر الجزائر أن لا يحط رحاله بالقصبة لانها ستلخص له حكاية الجزائر العريقة . تعني كلمة القصبة في المعنى التقليدي العاصمي "وسط المدينة" ،و تعرف شوارعها باسم :" الزنقة " بالهجة العاصمية ، وإذا ما وطئت رجلاك هذا الحي رأيت كل مظاهر الحضارة والثقافة العاصمية تتلخص هناك . يعد حي القصبة العتيقة في أعالى العاصمة الجزائرية من أكبر الأحياء القديمة في الجزائر ويصنف ضمن المواقع الأثرية العريقة هناك .حيث يعتبر هذا الحي بموقعه ومعالمه وهندسته شاهدا على ذاكرة الأمة وتاريخ الشعب الجزائري لاحتوائه على أكبر تجمع عمراني لمبان يعود تاريخ بنائها إلى عصور مضت وخير شاهد على ذلك قصور من العهد التركي التي منها قصر مصطفى باشا ،قصر دار الصوف ،قصر دار القادس ،قصر سيدي عبد الرحمن و دار عزيزة بنت السلطان وقصر دار الحمرة الذي تحول الى دار للثقافة الى جانب قصر احمد باي الذي يستغله المسرح الوطني حاليا. وما يميز القصبة كفن شعبي هو ما يعرف بالبوقالات التي تحمل خواطر شعرية والتي كانت كالفأل بالنسبة للنسوة اللواتي كن يجتمعن في السهرات حول مائدة الشاي ويأتي اسم البوقالة مشتقا من اللهجة العاصمية البوقال الذي يعني الإبريق حيث تقوم احدى النساء بوضع خاتمها فيه ثم تنوي وكانها تهدي هذه البوقالة أو الخاطرة الشعرية إلى شخص ما دون أن تعلن جهرا من هو و أما من يقوم بإطلاق هذه البوقالة أو قراءتها عادة ما تكون إمرأة كبيرة في السن . وللوهلة الاولى يشعر زائر الحي انه يدخل في نفق مليئ بالحكايات والأسرار، ولكنه يدرك بعد لحظات ان هذا النفق يقوده الى تاريخ بلد المليون شهيد. ففي هذه الأزقة نمت أولى بذور الثورة الجزائرية وهذا ما يتجسد على الكثير من جدران هذه البيوت التي تحمل اسم هذا الشهيد او تلك الشهيدة من الذين حفروا تاريخ بلاد البهجة الحديث في ذاكرة الاستعمار. فمن القصبة انطلقت اولى شرارات الثورة بالعاصمة الجزائرية بعد الاوراس في الشرق الجزائري و منطقة القبائل الكبرى وسط الجزائر و التيطري بالغرب الجزائري. وكان حي القصبة معقل الثوار في دار السبيطار التي كانت مخبأ للمجاهدين امثال علي لابوانت واحمد زبانة و جميلة بوحيرد وجميلة بلباش وحسيبة بن بوعلي وغيرهم من المجاهدين الذين حركوا الثورة في وسط العاصمة و هددوا امن الفرنسيين. عرف الحي ابان ثورة التحرير بالحي المشتبه فيه دائما من طرف المستعمر نظرا لمبانيه القديمة، وأزقته الضيقة فكان حي القصبة من الاماكن التي ألهمت الكاتب الجزائري الراحل محمد ديب في رواياته "دار السبيطار" و"الحريق" و"الدار الكبيرة" وكلها انجازات عظيمة خلدت تاريخ الجزائر ورسمت آثاره على صفحات الحاضر. كما استلهم الكاتب ياسف سعدي كتابه "معركة الجزائر" من الأحداث التي وقعت في القصبة العتيقة إبان الثورة الجزائرية وحوله الى فيلم كبير عرض حتى في قاعات السينما الامريكية ورغم أن العديد من الفنانين التشكيليين رسموها في لوحاتهم لكنهم لم يستطيعوا أن يضفوا عليها تلك اللمسة السحرية التي تميزها حيث يبقى هذا الحي محافظا على تراث الجزائر و خصوصيته التي تميزه عن باقي الدول العربية. ورغم تميز هذا الحي بالازقة الضيقة إلا أنه يضم الكثير من المحلات الخاصة بالاحذية والالبسة التقليدية وكل ملتزمات العرائس التي تخفي كنوزا من الفن المعماري وراء جدرانها ،كما يتميز بصناعاته التقليدية كصناعة النحاس و الجلود و الحدادة .......... ، و . ونظرا لاهميت القصبة التاريخية والاجتماعية فإن العديد من المؤرخين و علماء الاثار الاجانب يزورونها لدراسة معالمها التاريخية . وتبقى القصبة احدى الآثار الصامدة شاهدا تاريخيا على أصالة التراث الجزائري وعراقة الثقافة التي يحملها هذا الشعب .