وإذا كانت المحكمات في القرآن والسُّنة دلَّت على أن هذه الأمة ينبغي أن تكون متميِّزة عن الأمم الأخرى في أعمالها، وعقائدها، وسلوكها، وخصوصياتها، فليس هذا التميُّز مطلبًا شرعيًّا داخل هذه الأمة ذاتها، إلَّا عن المنحرفين ممن يجاهرون بالفجور والبدعة، أو ما كان من أمر الدين والشرع الذي أهمله الناس، فهو يحيي الملة التي دَرَسَت، ويبعث السنة التي أُميتت، أما أن يتعمَّد مخالفة الناس في أشياء ليست من السُّنة، أو يبالغ في تضخيم بعض الفروع، لتكون سببًا في الإتيان على أصل الانتماء والإخاء، وإِحداث شرخٍ يصعب تلافيه في بنيان المجتمع المسلم، فإن هذا من الشهرة التي ورد النهي عنها والتحذير منها، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا بسند حسن: (مَن لَبِسَ ثَوبَ شُهْرَةٍ، أَلْبَسَهُ اللهُ يومَ القيامةِ ثوبَ مَذَلَّةٍ). وقد كان السلف يكرهون الشهرة حتى في الأعمال التي يكون لها أصل، لكنه ليس بظاهر أو ليس بقوي، فيحبون موافقة الناس ويكرهون مخالفتهم لما فيه من مدعاة الاغترار والإعجاب ورؤية الذات، ونشر الفرقة بين الناس. وقد نُقل عن الأئمة الكثير من ذلك، حتى قال يحيى بن معين: (ما رأيتُ مثل أحمد بن حنبل؛ صحبناه خمسينَ سنةً، ما افتخر علينا بشيء مما كان فيه من الصلاح والخير). وكان يكره الشهرة في عمله ولباسه، ويقول: (طُوبَى لَمن أخمل اللهُ ذكرَه). وبعض الإخوة من جراء انغماسهم في الولاء الخاص وغفلتهم عن الولاء العام يضخِّمون بعض الوارد، ويرجِّحون بعض الأقوال، بما يفضي إلى تمييزهم عمن سواهم، ويعدُّون هذا مقصودًا بذاته. وهذا نوع من العلو، أو طلب الرياسة أو الشهرة بما لا يَحْسُن ولا ينبغي، اللهم إلا أن يكون عَمِلَ خيرًا وأظهره، قصد أن يقتدي الناس به، وهذا باب واسع، وبين هذا وذاك فرق ليس يخفى. *عن (إسلام اليوم)