*أيادي أجنبية وراء أزمة غرداية لضرب استقرار الجزائر انتقد الشيخ عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين كل من يهاجم قانون الأسرة كونه مستمد من الشريعة الاسلامية، مؤكدا أن هويتهم مشكوك فيها، باعتبار أن القانون جيئ به لحماية الرجل والمرأة على حد سواء، حيث لم يخف الرجل قلقه إزاء العديد من القضايا التي تمس هوية الجزائريين على غرار اللغة العربية وموقع الإسلام فيها، الى جانب التطرف الذي تعرفه غرداية والذي حول المدينة الى خراب. وقد التقت أخبار اليوم بالشيخ قسوم لمعرفة حال جمعية العلماء المسلمين اليوم وموقفه من العديد من القضايا التي تهم الرأي العام على غرار مناصفة المجالس المنتخبة بين الرجل والمرأة باعتباره مرجعا فكريا لا يستهان به، فكان لنا معه هذا الحوار. ** كيف يشعر الدكتور عبد الرزاق قسوم وهو يحمل مسؤولية الإشراف على جمعية العلماء المسلمين؟ ** أشعر بالخوف وبالأمل، بالخوف من ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقي خاصة عندما أتخيل أمامي العلماء الأولين الذين أسّسوا الجمعية أمثال عبد الحميد بن باديس والشيخ الإمام البشير الابراهيمي والشيخ تبسي الذين جاهدوا بالكلمة باللسان بالقلم وبالمال والنفس والنفيس وبكل ما أوتوا من قوة وفي ظروف غير مناسبة، ومع ذلك استطاعوا أن يثبتوا وأن يصمدوا لذلك فمسؤولية الجمعية ليست بسهلة. المطلوب منا بذل جهد مضاعف لتثبيت ما تم بناؤه من قبل الأولين وتحصين ذلك، والآن لم يعد عدو واضح كما من قبل وهو العدو الغاشم الفرنسي، فالجزائر تعيش في أمن وسلام ووسط الدولة الوطنية من مهامها أن تسهل لنا المهمة، وبالتالي نعيش الخوف على أن لا نكون على قدر من المسؤولية، ونتطلع الى غد مليئ بالأمل ومستقبل زاهر بإذن الله لنستطيع تحقيق ما حلم به علماءنا من قبل. ** ماهي آفاق وأهداف الجمعية الآن؟ * جمعية العلماء المسلمين تملك آفاق واسعة وطموحة لأننا انتقلنا حاليا من عهد التنظيم الى العمل بالتنظيم، إن الهاجس الذي كان يسكننا كيف نعيد الى عقول ذاكرة المجتمع الجزائري فكرة جمعية علماء المسلمين، لأن البعض يتساءل عن فائدة الجمعية والجزائر مستقلة. ** وماذا يمكن أن تقدم الجمعية بوجود المدرسة والجامعة والمسجد والدين، إننا نقول عكس ذلك فالجمعية لا تريد أن تكون البديل عن الشؤون الدينية أو عن التربية الوطنية ولا البديل لأي مؤسسة إعلامية، لكن تحاول أن تكمّل أي نقص في هذه المجالات، فالجمعية بإمكانها أن تعوض أي مجال سواء تعلق الأمر بالتربية الوطنية وتكون بمثابة البديل لهذه المؤسسات، فنحن نقوم من أجل تحصين الشباب ضد الآفات الاجتماعية المختلفة وهذا لن يكون إلاّ بالاعتماد بالتربية الإسلامية. ليس باستطاعتنا أن نشك في الدور الفعال الذي يقوم به المسجد، ولا يكن أن نتهم وزارة الشؤون الدينية بالتقاعس لكننا نقول في المقابل بإمكان الجمعية أن تكون القوة المساندة في تصحيح المفاهيم والفهم الديني إضافة الى إعطاء المعنى الحقيقي للإسلام وإعطاء الفتوى في المسجد لفحوى الدين. يجب على الإعلام أن يلتزم بقضايا الأمة والوطن والأخلاق والمجتمع، لذلك فالآفاق اليوم هو انتقال الجمعية من البناء التنظيمي الى البناء العقلي والأماني الذي يؤدي الى بناء المدارس والمعاهد النموذجية في المقابل وجدت الجمعية تجاوب كبير من جانب المجتمع الجزائري لأن المواطن وثق فيما تدعوا وتعمل من أجله الجمعية من خطاب معتدل ومتسامح ومنفتح. فبولاية تلمسان مثلا تبرع مواطن من الولاية ببناية بأكملها للجمعية وآخر أهدانا قطعة أرض تبلغ 2700 متر، الذي اعتبره شيئ عظيم وهو دليل قاطع على كرم وأخلاق المجتمع الجزائري المحب لدينه، كما أن المواطن نبهنا من عدم البوح بإسمه علنا حتى لا يفسد الخير الذي قام به، فهذه الأعمال الخيرية لا تُقتصر على تلمسان لوحدها فالجزائر من شرقها الى غربها ومن شمالها الى جنوبها هناك من يتبرع لصالح الجمعية لأنه يؤمن بنوايا الحسنة والطيّبة لجمعية العلماء المسلمين، هذا مايبين أنا حققنا ولو شيئ بسيط من أفاقنا وأمالنا باعتبارها غايات وأحلال الأولين. وعلى مستوى الحكومة تعمل الجمعية على توعية الدولة بأهمية جمعية العلماء، لا أقول أن الدولة ليست واعية ولكنها في المقابل لم تقدم أي مساعدات تذكر سواء كانت مادية أو معنوية. وفيما يخص استدعاء جمعية العلماء المسلمين الى مشاورات الدستور فقد تم استدعاؤنا من طرف مدير الديوان أحمد أويحيى لكن المهم لا يكمن في الاستدعاء وإنما الهاجس والخوف الذي يسكننا هو أن يطبق ما نقدمه من مقترحات، لأنه سبق وأن قدمنا مقترحات في لجنة بن صالح لكن لم يأخذ ما قدمناه بعين الاعتبار، لذلك نعلق آمالا بعد أن فتحت الدولة المجال أمام معظم الشخصيات السياسية والجمعيات والأحزاب والمنظمات بأن تأخذ النافع للوطن للوصول الى دستور توافقي حتى نتفادى الانزلاقات التي يمكن تجر بالوطن الى ما لا يحمد عقباه، في حال لم نبن بناءا صلبا ومتينا تقوم عليه الجزائر. إن جمعية العلماء تعمل على جبهتين الجبهة الشعبية وهي أن يلتف الشعب حول المفهوم الصحيح للدين والثقافة، ونأمل من الدولة أن تعطي للجمعية قيمة فعلية التي تستحقها ودور ومساهمات فعالة وليست شكلية، حيث أن الجمعية أبسط الأشياء تفتقدها، نأخذ مثالا بسيطا حول جوازات الحج فالجمعية الوحيدة المحرومة من ذلك مع أننا جمعية دينية، والسؤال يبقى مطروحا عن الأسباب الحقيقية وراء عدم استفادتنا. ** وهل طرحتم هذه التساؤلات على مدير الديوان أحمد أويحى؟ * لم نتوجه بعد الى رئاسة الحكومة إلاّ بعد عشرين 20 من الشهر الجاري وسنقوم بطرح كل هذه التساؤلات على أحمد أويحيى وعلى كل المسؤولين دون استثناء، لقد التقينا من قبل بالوزير الأول عبد المالك سلال ونعلق آمالا أن تأخذ انشغالاتنا بعين الاعتبار ويكون لها صدى لدى المسؤولين ونثبت وجودنا على جميع الأصعدة دون استثناء. ** هل ساهمت تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية في إضفاء قيمة ونوعية للجزائر وللجمعية؟ وماقراءتك لقسنطينة عاصمة الثقافة العربية المقررة العام القادم؟ * أسجل بكل أمانة وموضوعية أن جمعية علماء المسلمين كانت فعالة خلال التظاهرة ونشيد بوزارة الشؤون الدينية التي أشركت الجمعية في جميع النشاطات والملتقيات على غرار ملتقى مالك بن نبي التي كانت الجمعية المعدة والفاعلة لها، ولم تقتصر على المشاركة فقط، اضافة الى ذلك استفادت تلمسان من التعداد لها من المنشآت وتشييدات ويعتبرقصر الثقافة حاليا من أعظم المنشآت في الجزائر. لقد انعكست التظاهرة بصفة جيدة ليس على تلمسان وحدها وإنما على الجزائر وعلى الأمة الإسلامية جميعا. أما فيما يخص قسنطينة عاصمة الثقافة العربية نأمل أن يسير على خطى التظاهرة السابقة أو أحسن، ولحد الآن لم نتلق دعوة، لكن سنعمل أن تكون في المستوى ونسجل حضورا مشرفا يليق بالتظاهرة والجزائر باعتبار قسنطينة مدينة العلم والعلماء ومنبع الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس بالتي ستكون جمعية العلماء المسلمين في عقر ديارها وفي بيتنا وبين أهلنا، في المقابل لم نشك عند وجودنا في تلمسان ولو لحظة أننا لم نكن في بيتنا بل بالعكس، ولكن قسنطينة باعتبارها المنبع الأصلي للعلامة بن باديس وبالتالي نحن أحق في قسنطينة من غيرنا. ** ما موقف جمعية العلماء من مسألة مناصفة المرأة في المجالس المنتخبة والتي تناقش في مشاورات تعديل الدستور وأثارت جدلا واسعا؟ * إن جمعية العلماء لا تؤمن بهذا المبدأ فالمرأة في الإسلام سواء في الحقوق والواجبات بين الجنسين. ومن الناحية القانونية هناك خصوصيات فإذا كان بإمكان المرأة أن تتولى نسبة 75 في المئة فلماذا نرفض ذلك، فإن كانت المرأة تملك مؤهلات تؤهلها فهذا شيئ آخر. تعارض الجمعية تحديد النسبة وانما نساند تحديد الكفآت حيثما وجدت، في المقابل لا نستطيع أن نلزم أنفسنا بنسبة معينة التي لن تتقبلها الأخلاق والقانون ويرفضها الدين رفضا قاطعا. * تهاجم بعض الجهات قانون الأسرة المستمد من أحكام الشريعة الاسلامية في رأيك الى أين تريد أن تصل هذه الجهات؟ * الجهات التي تشك في قانون الأسرة محسوبة على الجزائر وليست منها، فالمقصود من هذا القانون هو حماية المواطنة والأسرة الجزائرية عموما من الانحرافات الخلقية أتساءل أين نحن وهل نحن شعب مسلم عندما نتكلم على أطفال الأنابيب والأم العازبة والزواج المثلي، فغياب الوازع الديني ولد لنا هذه المحرمات الدخيلة التي تنبذها الأخلاق ويحرمها الدين، ان قانون الأسرة يحمي البنت التي من شروط الزواج في القانون أو الإسلام الولي والشهود لقول الله تعالى {وشاهدي عدل}، لتفادي أي أضرار ومشاكل تقع فيهما البنت مستقبلا، حيث نلاحظ اليوم انتشار الطلاق بصفة رهيبة، فكيف يمكن حماية المرأة المطلقة وما مصيرها بعد الطلاق. قانون الأسرة مستمد من الاسلام لحماية البنت والولد والأسرة والأطفال من الشتات، اضافة الى الأخلاق وظهور الآفات الاجتماعية، ومن يقول غير ذلك فهو ليس بجزائري. ** هل من مساعي من طرفكم للصلح في غرداية نظرا للمكانة والقيمة التي تمتلكها الجمعية؟ وماهو الحل برأيكم؟ قامت جمعية العلماء بمساعي ومازلنا الى يومنا هذا نقوم بها والتي لم نكشف عنها حتى لا نفسد مساعي حيث قمنا ببعث وفود واستقطبنا الحقائق وحاولنا أن نفهم الأسباب الحقيقية وراء الأزمة، وآن الأوان لقص الحقائق. إن قضية غرداية وطنية وباتت هاجسا يؤرق الجمعية وبحكم الموقع الذي نملكه، وبحكم علاقتنا المتينة مع أهل غرداية سواء كانوا عربا أواباضيين تلقي على كاهلنا مسؤولية ثقيلة. ان الأزمة في غرداية ليست طائفية وانما تعتريها عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية وأجنبية. ** ما قصدكم بعوامل أجنبية؟ * أرى أنه أيادي خفية أجنبية تستغل أزمة غرداية لخدمة مصالحها وبث الفتنة بين المذهبين، حيث وصل بهذه البلدان الى درجة دعت فيها الى تدخل الأممالمتحدة في الأزمة وهو لدليل قاطع أن الأيادي الأجنبية تحاول زعزعة أمن واستقرار الجزائر. وتعمل الجمعية على توعية وتحسيس أهل غرداية بالقضية وتمتلك الجمعية مقترحات جاهزة وسنعمل على جمع المذهبين مع بعضهم على طاولة الحوار قريبا والخروج بوثيقة تكون أشبه بصلح الحديبية ونقضي على الفتنة نهائيا ومن جذورها. ** وهل أنتم متخوفين من عودة الأزمة ككل مرة؟ * أكيد لكننا في المقابل نأمل أن يكون حلنا فاصل ونهائي بجمع كل الفئات الشيوخ الشباب المثقفين والمجاهدين الذين يتحملون مسؤولية الجزائر ككل ولا تقتصر على غرداية، أدعوا الى نشر المحبة والتفاهم لتزول الشحناء والأحقاء بنسيان الماضي وطي صفحة الماضي والتطلع الى مستقبل أفضل. ** نادت بعض الشخصيات بعلمنة الجزائر... صراحة مارأيكم؟ * ادعوا كل من ينادي الى العلمنة أن يعمقوا ثقافتهم ويفهموا الدين فهما صحيحا وإذا أقنعونا بحجتهم نحن موجودين، أتساءل مامعنى العلمنة هل الدولة الفرنسية علمانية فلماذا تمنع الحجاب فكل حر في حياته وله طريقة لباس معينة وقناعته وأذواقه. ومن يدعوا الى العلمنة وجب عليه أولا البحث عن قوانين العلمنة وقوانين الاسلام بعمق، في حال فهموا نناقشهم واذا تمكنتم من اقناعنا سنتبعكم، إن الحق غير متعصب والدين الاسلامي دين يسر وليس عسر، فالإسلام ينبذ التعصب لكم دينكم ولنا ديننا، الإسلام دين تسامح ومحبة وإخاء، ولا تطلقوا أحكام مسبقة على بعض السلوكات الشاذة التي لا تمت بالدين أي صلة. أتريدون يا من تريدون العلمنة بإباحة الشذوذ الجنسي والمثلي ونبيح عدم الزواج في رأيكم هل تعتبر أخلاق، لا يمكن للعلمانين أن يلزمونا بما لانلزمهم به. أطالب كل من يدعوا الى فكرة العلمنة أن يعودوا الى رشدهم وإلى تدين أباءهم الذين يحكمون عليهم بالعقوق وبالتالي يحكم عليهم الوطن بأنهم كانوا ظالين وجاهلين. حاورته شهرزاد بقاسمي تطالعون في عدد القادم واقع المنظومة التربوية وأسباب تهميشها للتربية الاسلامية والاقتتال الطائفي في سوريا وأسباب معارضة النظام الانقلابي في مصر لمرور قافلة غزة على أراضيها.