بقلم: رياض بن وادن أثار فيلم الوهراني الذي أخرج مؤخرا وعرض بقاعات السينما بوهران لمخرجه إلياس سالم، جدلا كبيرا بين مؤيد لحرية التعبير وبين الرافض للمساس بمقدسات الأمة.. وقد رأيت شريط فيديو على اليوتيوب تكلم فيه الشيخ شمس الدين عن هذا الفيلم وقد ظهر فيه منزعجا وقلقا ومصدوما، وقد دعا سكان مدينة وهران ومجاهديها إلى التنديد بهذا الفيلم وبمخرجه ورفضه له جملة وتفصيلا ولأفكاره، تحت ذريعة عدم المساس بمقدسات الأمة الجزائرية وتحت سبب قدسية ثورة الفاتح من نوفمبر المجيدة! ويمكن أن نؤيد كل من شعر بالقرف واشمأز من هذا الفيلم الذي يصور المجاهد بطل الفيلم خمارا وعربيدا مسكنه الكبريهات مولعا بالمجون والقمار والأخلاق السيئة. ولا أدري ماذا كان سيفعل الشيخ شمس الدين والمجاهدون معه لو اطلعوا على رواية شارع إبليس لكاتبها الأستاذ أمين الزاوي الذي فيما أعتقد بأنه ذهب في هذه الرواية التي صدرت قبل سنوات عديدة أبعد من هذا الفيلم، حيث يروي قصة مجاهد يقتل مجاهدا آخر وهو صديق له في الكفاح بسبب زوجته الجميلة، التي تزوجها بعد قتله مباشرة وتسجيله في المحضر بأنه استشهد في إحدى المعارك ضد المستعمر الفرنسي، وتطرق لمسألة السكنات التي احتلها المجاهدون وأخذوا أجملها وأفضلها مباشرة بعد الاستقلال، هذه السكنات أو الفيلات التي تعود في الأصل ملكيتها للمعمرين الذين تركوها خوفا على حياتهم وفرارا بأجسادهم بعد استقلال الجزائر لذعرهم من ردة فعل المواطنين. ويصور الأستاذ أمين الزاوي في هذه الرواية ابن المجاهد الذي قتل كيف يعيش مع أمه وزوجها في فيلا تحتوي على خمور متعددة وكثيرة، كلها من النوع الرفيع وكيف يشرب يوميا منها المجاهد زوج أمه وابن الشهيد، والممارسات اللاأخلاقية التي كانت تمارس في هذه الفيلا من طرف ابن الشهيد ولهث المجاهد للظفر بزوجات لكي ينجبن له أطفالا من صلبه بعد استحالة حدوث ذلك مع زوجة الشهيد السابق التي أحبها وقتل من أجلها صديقه في الجهاد!؟. بين التقديس والغفلة وسبب عدم تعرض الرواية للنقد من طرف الشيوخ والمجاهدون هوأننا أمة لا تقرأ وأكثر شيء يثيرنا هوالكلام المسموع أو الصورة المشاهدة، رغم ذلك فإنني أعتقد بأنه من الخطأ أن نقدس الأشياء ونرفع بعض القضايا الدنيوية إلى مصف قداسة القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فلا شيء في هذه الحياة مقدس وغير مسموح نقاشه أو إبداء الرأي فيه، فالثورة التحريرية المباركة يعتريها كغيرها من الثورات التي حدثت في العالم نقائص وسقطات وأخطاء، فلقد صعد إلى الجبل لمحاربة المستعمر الفرنسي الملتزم بدينه وغير الملتزم.. المخلص والنفعي.. الذي يريد وجه الله ويريد الشهادة والذي يريد السلطة ويريد المنصب.. صعد الذي يريد الدنيا والذي يريد أن يقال عنه مجاهد، جاهد الحافظ لكتاب الله والمتدين وجاهد الفاسق والفاسد والفاجر، لكن حمدا لله فإن الثورة التحريرية كانت في عمومها ثورة نبيلة أكثرية الذين قاموا بها الشرفاء والملتزمون والمتخلقون. وتسليط الضوء على بعض جوانبها أو زواياها العاتمة مثلما حدث مع فيلم الوهراني أو في رواية شارع إبليس أو في غيرهما من الأعمال الروائية أو الفنية والسنمائية هو من قبيل البحث وخلق حوار، ويعتبر حرية من الحريات الأساسية التي يجب أن يتمتع بها المثقف حتى يتسنى لنا الإجابة عن بعض الأحداث التاريخية التي ما تزال لم يفصل فيها بعد بين صناع التاريخ، وهذا العمل يعتبر من قبيل النقد وفتح بعض الملفات التي تعتبر طابوها يمنع الحديث فيه، ولهذا فعلينا أن لا ننظر فقط للجانب السلبي من هذا الفيلم، بل علينا أن ننظر كذلك ونقول بأن هناك مواضيع وملفات إذا لم تكن لنا الشجاعة نحن أبناء الجزائر وأبناء المجاهدين والشهداء على فتحها والحديث فيها فإنه يأتي وقت وستفتح على أيدي آخرين وسيعالجونها بطريقتهم الخاصة وحينها ستكون أكثر ألما وصدمة لنا. في الحقيقة إن الشيء الوحيد المقدس في هذه الدنيا هو كتاب الله وسنة نبيه الصحيحة، وما تخلفنا هذا وتراجعنا في هذه الحياة وعدم قدرة عقولنا على التحرر إلاّ جراء تقديسنا لكل ما قد كتب وسطر في تراثنا الإسلامي، وقد أصبحت عملية إعادة غربلة تاريخنا القديم أو الحديث مسألة محرمة لا يجوز الكلام فيها أو الحديث عنها، وما دمنا نفكر بهذه الطريقة فلا أمل أبدا في أن ينقشع عنا ضباب الجهل والتخلف. إن الأفلام الثورية الجزائرية التي شاهدنا والتي صورت الملتحين والمرتدين أقمصة سلبيين لم يقدموا شيئا للثورة وأن الذين جاءوا بالاستقلال هم أصحاب البدلات الإفرنجية هذه وجهة نظر بها علة، كذلك فإن الذين صوروا لنا المجاهدين كانوا كلهم منحرفون فهذا خطأ كذلك، كما أن الذين يريدون إقناعنا بأن ثورة الفاتح من نوفمبر كان رجالها مثل رجالات غزوة بدر هم مخطؤون كذلك، فالثورة شملت كل هذه الصفات والأصناف وهي ثورة إنسانية عادلة انتصر فيها أهل الحق على أهل الباطل، وأهل الحق هنا بشر يخطأون ويصيبون ورحمة الله على كل الشهداء.