استمرّ الاتجاه النزولي لأسعار النفط لعدّة أشهر متوالية، وانخفضت الأسعار بمقدار الثلث منذ جوان الماضي، وخسر سعر بترول الجزائر أكثر من خمسة دولارات في الأسبوع الأخير وصار في أدنى مستوياته منذ خمس سنوات كاملة، ترى مَن هم الرابحون والخارسون مِن انهيار أسعار النفط؟ إذا كانت الدول الصناعية الكبرى التي تستورد كمّيات كبيرة من النفط في مقدّمة الرابحين فإن ما لا شكّ فيه هو أن الجزائر تعتبر من أكثر الدول تضرّرا من انهيار أسعار البترول، والسبب واضح هو اعتمادها المفرط على تصدير النفط الذي تحوّل إلى مصدر قوّتها الأساسي، وأيّ هزّة في أسواق النفط توازيها هزّة في مداخيل الجزائر، وبالتالي تتأثّر البرامج المسطّرة على المديين المتوسّط والبعيد رغم حرص السلطات على التأكيد أن انهيار أسعار البترول لن يكون سببا في تجويع الجزائريين. انخفاض أسعار النفط ينجم عنه انتقال للثروة من البلدان المنتجة إلى البلدان المستهلكة متمثّلة بكبرى الاقتصادات العالمية مثل الولايات المتّحدة ومنطقة الأورو واليابان والصين، وتحصل الشركات كذلك على هامش أكبر وتتحسّن القدرة الشرائية للمستهلكين، فأسعار الوقود في محطات الوقود الفرنسية -على سبيل المثال- في أدنى مستوى منذ أربع سنوات. ويقول باتريك أرتوس -الاقتصادي لدى مؤسسة (كاتيكسيس)- إن منطقة الأورو يمكنها بفضل تراجع أسعار النفط (أن تستفيد من الأثر الإيجابي لتراجع الأورو على صادراتها من دون أن تتأثّر بسبب ارتفاع أسعار الواردات)، وأن تأمل كسب نصف نقطة في ناتجها المحلّي الإجمالي خلال سنتين. ويشير معهد (كو ركومنس) إلى هبوط فاتورة الطاقة الفرنسية بخمسة ملايير أورو على الأقل خلال 2014، موضّحا أن الصناعة هي الرابح الرئيسي ويتوقّع أن تكسب ملياري أورو، أي أكثر من التسهيلات الضريبية من أجل تشجيع تنافسية التوظيف التي تعتمدها الحكومة الفرنسية أساسا للإنعاش الاقتصادي. من جانب آخر، يقول الاختصاصي في الأسواق الناشئة لدى مصرف (إتش إس بي سي) كريستيان ديزيغليز إن نصف الدول الناشئة ومن بينها الجزائر ستتأثّر سلبا بتراجع أسعار النفط. فالبرازيل استثمرت بكثافة في المنشآت والبُنى التحتية النفطية التي سيكون من الصعب عليها استعادتها، كما حدّدت روسيا ميزانيتها على أساس سعر مائة دولار للبرميل، لكنه يضيف أن (التراجع الكبير في سعر الروبل سيخفّف الضغوط على الميزانية). وتبدو المؤشّرات كلّها سلبية في فنزويلا التي تعاني أساسا من اختناق مالي ويشكّل النفط 96 بالمائة من مصادرها من العملة الصعبة. كما يؤثّر تراجع النفط على استخراج الوقود الصخري في الولايات المتّحدة الذي يحتاج إلى استثمارات ضخمة للحفاظ على وتيرة الإنتاج. ويعتبر المحلّلون أن الاستثمار في الوقود الصخري ليس مُجدِيا عندما يكون سعر برميل النفط بين 65 وسبعين دولارا.