بقلم: محمد زاهد جول / تقف بعض الدول العربية دعاة لإشعال النار بين أبناء الشعب الليبي بحجة مواجهة الإرهاب، وهكذا يصدق ظن الأمين العام بان كي مون فيهم، عندما قال في (المؤتمر الدولي لمكافحة العنف)، الذي عقد في واشنطن يومي 18 و19 فيفري الجاري: (إن بعض الدول أخذت تستخدم ذريعة محاربة الإرهاب للتضييق على المسار الديمقراطي في بلادها)، ولعله يقصد ما يجري في مصر من قمع للمظاهرات السلمية ومنع لحرية التعبير، واعتبارها من الأعمال المعادية للحكومة، وهو ما تؤكده أحكام القضاء المصري اليومي، فلا يمر يوم إلا وتصدر المحاكم الانقلابية قرارات الإعدام والسجن المؤبد ولسنوات كثيرة على مئات المصريين، ولا ذنب لهم إلا تمسكهم بحرية التعبير ورفض الانقلاب. هذه الصورة المشوهة للقضاء المصري وصورة مصر عموماً للأسف، كانت محصورة في الداخل، وبعد عجز الحكومة عن مواجهة الرفض الشعبي، سعت لتوجيه الأنظار إلى التهديدات الخارجية، ولكن ليس نحو إسرائيل، وإنما نحو قطاع غزة وحركة حماس وكتائب عز الدين القسام، بهدف استدرار الدعم الخارجي الأمريكي والإسرائيلي لتمكينهم من النجاح، وتقديم مزيد من الدعم السياسي والعسكري لهم أولاً، ولتوجيه أنظار الشعب المصري إلى أعداء جدد لم يعرف الشعب المصري أنهم أعداؤه من الفلسطينيين والليبيين والعرب. ولعل صعوبة ضربهم لغزة أمام الرأي العام المصري والعربي والإسلامي والعالمي، جعلهم يستبقون ذلك بخطوة أخرى، تمثل جس نبض للشارع المصري والعربي والإسلامي والعالم الحر، وهو استغلال ما قام به تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) من إعدامه لواحد وعشرين مصرياً في ليبيا، حيث أن بعض مصادر الأمن الليبي في سرت تقول إنه لا أدلة لدينا بأن العملية جرت على الساحل الليبي، فإن الأمر ينبغي أن يتوجه إلى المحاكم الدولية لتحديد مكان تنفيذ هذه الجريمة النكراء، فرئيس وزراء حكومة الإنقاذ الليبية عمر الحاسي يصفها بالفيلم المفبرك، ولكن إن ثبتت فإنها تمثل عملاً ارهابياً خطيراً، ولكن السيسي لا يريد اثبات الجريمة ولا العملية الإرهابية، وإنما يريد استغلال هذه الدعاية الوحشية لعملية الذبح للأقباط ليثبت بأنه هو الحامي للمسيحيين الأقباط، وأنه هو المدافع عنهم والمنتقم لقتلاهم، بينما هو لم يفعل شيئاً طوال أشهر الاختطاف، وكأنه كان ينتظر عملية الذبح متعمداً ليقوم بعملية الانتقام. ليبيا.. كبش الفداء واختيار ليبيا مسرحا لعملية ذبح الأقباط مقصودة أيضاً، لأن الهدف إشعال النار في كل أنحاء ليبيا، وهذه ورقة اعتماد جديدة يسعى السيسي لتعميده على أساسها، ولذلك وبعد أن قام بغارات جوية على مدينة درنة، إذا به يطالب مجلس الأمن أن يخوله أن يكون رأس حربه غربية أمريكية وأوروبية لقتل الشعب الليبي، بحجة أنه حامي المسيحيين، وهذه الحجة وهي حماية المسيحيين استخدمها من قبله القذافي ولم تنفعه، واستخدمها بشار الأسد، وجعلها وزير خارجيته وليد المعلم محور خطابه في مؤتمر جنيف 2، حتى سخر منه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في ذلك الوقت، فهؤلاء الفاقدون للشرعية في حكمهم، يلجأون إلى استدرار الرضى الغربي بادعاء حماية المسيحيين. هؤلاء الذي يقفون اليوم على أبواب ليبيا لإشعال النار فيها لن يستطعوا خداع الغرب، بل يخسرون مصداقيتهم أمام الغرب وأمام شعوبهم، لأن الغرب يعلم ورأى ما يفعلون بشعوبهم، وأنهم لا يحملون أي مشروع إنقاذ لشعوب بلدانهم، لذلك فإن الدول الغربية قد تسكت عن افتراءاتهم، لأنهم يقدمون لها خدمات جليلة على المدى الاستراتيجي، فهم يؤخرون نهضة الأمة العربية والإسلامية لعقود عديدة، ولكنهم لا يستطعون إيقافها إلى الأبد، ولذلك رفضت أمريكا وعدد من الدول الأوروبية الكبرى دعوة السيسي لتخويله بتدمير ليبيا وإشعال النيران فيها، لأنهم حتى لو أردوا إشعالها فبعد تخطيط وتقدير منهم، وليس على يد السيسي، لذا فإنه سحب طلبه من مجلس الأمن، وكلف وزير خارجيته سامح شكري ووزير خارجية حكومة البرلمان الليبي المنحل محمد الدايري، لاختلاق الذرائع لاستمرار العمليات العسكرية في ليبيا، ولكنهم وجدوا أصواتا حرة كثيرة، بما فيها صوت المبعوث الأممي برناردينو ليون، بأن الحل هو سياسي فقط، وكذلك جاءت الأصوات الحكيمة من مندوب الجزائر وتونس وإيطاليا وبريطانيا وقطر وغيرها، بأن الحل ينبغي أن يكون سلمياً، لأنها بين أخوة من شعب واحد، فكيف يأتي من يحمل عقلية المنتقم ليساعد فريقا ليبيا ضد آخر؟ وما كادت هذه المحاولة الثانية لإشعال النيران في ليبيا أن تفشل، حتى تقدمت دولة الزردن بمشروع قرار يحمل رائحة الكراهية للمصالحة الداخلية الليبية التي تصر عليها الأممالمتحدة وعقلاء العالم، جاء مشروع القرار الاردني ليزيد النار اشتعالاً، وكأن دعاته يقفون على أبواب ليبيا يدعون شعبها للدخول في نار حرب تحرق الأخضر واليابس، فدور السيسي في ليبيا هو من يحول ليبيا إلى جهنم، ولعل التسجيل الذي بثته قناة ليبية حول التدخلات بين مدير مكتب السيسي اللواء عباس كامل، يفضح دور السيسي في التحضير لما سيجري في ليبيا مع أحمد قذاف الدم، ابن عم القذافي ورئيس جهاز مخابراته الذي انتقل من طربلس إلى القاهرة بعد انتصار الثورة الليبية. لماذا؟ إن مشروع القرار الأردني يمثل رؤية سوداء للحل في ليبيا، فمشرع القرار الذي وزعه مندوب الأردن يوم 19/2/2015، طالب مجلس الأمن بإصداره تحت الفصل السابع أولاً. ويطالب بتقديم الدعم لمجلس النواب المنحل في طبرق وحكومة عبد الله الثاني ثانياً، ويطالب بسحب المليشيات المسيطرة على طرابلس ثالثاً، وهي جزء من الشعب الليبي والثورة الليبية، وأخيرا محاربة التنظيمات الارهابية مثل (داعش) و(القاعدة) وغيرهما. إن مشروع القرار مؤشر على مستوى التراجع في التفكير السياسي عند من يقفون على أبواب ليبيا لإشعالها حرباً وتخريبا وتدميراً وسفكاً للدماء، مع وجود طرق أخرى تحفظ الأمن والسلام، ومن دون الاصطفاف إلى جانب فريق واحد، فقد اعترفت الأممالمتحدة بأن برلمان طبرق يمثل برلماناً منحلاً، عندما اعترفت الأممالمتحدة بقرار المحكمة الدستورية العليا عند صدوره، ولكنها تحت ضغوط دولية واصلت الاعتراف به، ولكن الأممالمتحدة حتى الآن ترفض الوقوف الى جانب طرف واحد، كما يطالب مشروع القرار الأردني، الذي تبنى وجهة نظر حكومة برلمان منحل وغير قانوني من وجهة نظر المحكمة الدستورية الليبية العليا.