على عكس الكثير من الدول الشقيقة والصديقة، حتى لا نقارن أنفسنا بالدول الغربية، فان الجزائر للأسف تعرف تأخرا كبيرا وواضحا فيما يخص التبرع بالأعضاء البشرية، سواء على المستوى الرسمي، أو على المستوى الشعبي، بالنسبة للأول، فهو يتعلق بالإطار التنظيمي و الهيكلي لهذه العملية، والتي من المنتظر أن لا تشكل عائقا بعد السنة المقبلة، بعد الإعلان عن إنشاء الوكالة الوطنية لزراعة الأعضاء، التي ستتولى مهمة تنظيم عمليات زراعة الأعضاء في الجزائر، من خلال إعداد بطاقات وطنية للأشخاص الراغبين في التبرع بأعضائهم من جهة، وإعداد قوائم بأسماء المرضى المحتاجين إلى عمليات نقل أعضاء جديدة إلى أجسادهم المريضة، من جهة أخرى. لنبقى بعد ذلك في مواجهة الرأي الشعبي، ومدى تقبل الجزائريين لفكرة التربع بالأعضاء، والطريقة المناسبة لنشر هذه الثقافة فيما بينهم، من جوانبها المتعددة، التشريعية والقانونية والاجتماعية والإنسانية، خاصة مع اختلاف وجهات نظر الجزائريين في هذا الإطار، وتباين آراؤهم ما بين الرفض والقبول لهذه الفكرة. نشر ثقافة التبرع بالأعضاء ضرورة ملحة هذا المشكل الذي يطرح عند كل مناسبة، سيما في الملتقيات والمؤتمرات العلمية والطبية المنعقدة هنا في الجزائر، يكشف حقيقة مدى التأخر الذي تسجله بلادنا في هذا الإطار، ولعل آخر مؤتمر عاد وطرح هذه المشكلة هو المؤتمر الثامن عشر لطب وأمراض الكلى الذي انعقد بفندق الاوراسي في ال12 و 13 من الشهر الجاري، حيث شدد المتدخلون على مدى حاجة الجزائر إلى نشر ثقافة التبرع بالأعضاء وكذا تعديل القانون الخاص بها، وشرح مختلف الجوانب المتعلقة به في أوساط المواطنين، والعمل على تشجيع هذه العملية، إنقاذاً لأرواح الآلاف من المرضى المصابين بمختلف الأمراض والمنتظرين منذ فترات طويلة لعميات نقل وزرع أعضاء جديدة لهم، سواء تعلق الأمر بالكلى أو الكبد أو القلب أو البنركياس، وغيرها من الأعضاء الحيوية الأخرى، وسواء كانت عملية التبرع هذه انطلاقا من أشخاص أحياء، أو من أشخاص متوفين، فإنه من اللازم نشرُها في الجزائر، وقد تكون الفئة الثانية الأكثر سهولة وعملية، فوجود أشخاص يمنحون أعضاءَهم، بعد وفاتهم طبعا، بعد القيام بالكثير من الإجراءات القانونية والتنظيمية، من شانه أن يمنح أملا جديدا للكثير من المرضى الراقدين على أسرة المستشفيات، وينقذهم من شبح الموت المحدق بهم في كل لحظة، لا لشيء إلا أنهم لا يجدون متبرعا حيا أو ميتا، بإمكان أعضائه إن تكون لهم طوقا للنجاة. المواطنون بين مؤيد ومعارض في هذا الإطار، ارتأينا توجيه السؤال لعدد من المواطنين عن آرائهم فيما يخص عملية التبرع بأعضائهم، سواء في حياتهم أو بعد وفاتهم، خصوصا مع الانطلاق قريباً لأعمال الوكالة الوطنية لزراعة الأعضاء التي ستعنى بعملية إحصاء المرضى المحتاجين لعمليات الزرع وترتيبهم حسب الأولوية التي تحددها درجة الحالة المرضية، وكذا إحصاء المتبرعين والتنسيق معهم، وقد اختلفت آراء المواطنين ما بين مؤيد ومعارض، ولكنها صبت في مجملها حول الجانب الديني بالتحديد، والرغبة في الفوز بالأجر والثواب بعد الممات، إن مكنت أعضاءهم من إنقاذ حياة شخص مريض، فيما قال آخرون أنهم قد لا يترددون في منح أعضائهم، إنما للأشخاص المقربين منهم فقط، في حين رأى البعض الآخر انه من المستحيل أن يتخيل نفسه في قبره منقوصاً من أعضاء عديدة، الرأي الذي فنده البعض الآخر الذي قال أن الجسد سيبلى وسيكون طعاما للديدان، وعليه فانه من واجبنا التفكير في حياة الكثير ممن قد تساهم أعضاؤنا في منحهم أملا جديدا وانطلاقة جديدة في الحياة، عوض أن ينتقلوا إلى جوارنا في التراب فيما كنا قادرين على إنقاذهم، كما أن الله القادر على إحياء العظام وهي رميم، قادر على بعثنا من قبورنا على صورتنا الكاملة يوم النشور. ويركز الكثير من الجزائريين على الجانب الديني في هذه العملية، كمدى جوازها، وحكمها، وكذا قانونيتها أيضا، وهو ما يتطلب تظافر الكثير من الجهود، بغية الوصول إلى نشر ثقافة التبرع بين الجزائريين، وذلك عبر الحملات التحسيسية المنظمة من طرف الوزارات الوصية، وعلى رأسها وزارة الصحة ووزارة الشؤون الدينية، عبر إشراك الآباء والأئمة وكذا رجال القانون في علميات شرح مختلف الجوانب المتعلقة بعملية التبرع بالأعضاء، خاصة بالنسبة للأشخاص المتوفين، وهو ما من شانه أن يرتقي بزراعة الأعضاء البشرية في الجزائر مستقبلا، خصوصا وان هذه الأخيرة، صارت تكلل بنجاح كبير في المستشفيات الجزائرية المختلفة، حيث أن نسبة فشل عمليات الزرع في الجزائر بلغت 10 بالمئة من مجموع كل العمليات التي أنجزت منذ الثمانينات، وتعود أسباب فشلها الذي تنجم عنه وفاة الشخص، إلى تعقيدات عملية الزرع، أو عدم تقبل الجسم العضو المنقول إليه، أو عدم كفاءة الفريق الطبي للجراحة، لأن هناك أنواعا من الزراعة لا تستطيع الكفاءات الطبية إجراءها، بل يستدعي دوما إحضار فرق جراحة من الخارج. تطور كبير في زراعة الأعضاء بالجزائر ومع ذلك فلم يعد كثير من المرضى بحاجة إلى التنقل للخارج لأجل إجرائها، ومع وجود متبرعين ومراكز استشفائية متخصصة، وإمكانيات بشرية ومادية، يمكن القول أن زراعة الأعضاء في الجزائر صارت أمرا واقعا، وبإمكاننا حينها التفاؤل بإنقاذ أرواح الكثير من المرضى. وحسب الأرقام المتوفرة في هذا الإطار فقد تم إجمالا إجراء 683 عملية زراعة أعضاء، وتأتي في المرتبة الأولى زراعة الكلى، وفي المرتبة الثانية زراعة القرنيات، أما في الترتيب الثالث فتأتي زراعة الكبد التي يحتاج إليها 100مصاب في السنة، في حين لم يتم منها إلا 23 زراعة منذ عشر سنوات، وذلك لأنها تتطلب النقل من أشخاص أحياء، وكذا لأن الفريق الطبي الفرنسي هو الوحيد من كان بإمكانه إجراؤها في الجزائر، ولم يتعلم الفريق الطبي الجزائري منه، مما رهن العملية التي لا تجرى حاليا إلا في الخارج. أما زراعة خلايا الدم بالنسبة للمصابين بسرطان الدم، فقد تم إجراء 400 زراعة، تليها زراعة المعدة، التي يجري الطلب عليها سنويا بين 20 إلى 50 طلبا في الجزائر، متبوعة بالبنكرياس مطلوبة بين مئة إلى مائتي طلب، إلا أنها لم تجرَ مطلقا في بلادنا، ناهيك عن زراعة القلب التي تطلب سنويا بمعدل 50 حالة، إلا أن نقص المختصين في أمراض القلب وجراحة القلب يرهن وجودها عندنا، أما زراعة النشاء العظمي فإنها مطلوبة ما بين 400 إلى ألفي طلب سنويا. جهات تستغل الوضع ومن بين النقاط التي أثارت انتباه الحضور خلال المؤتمر السالف الذكر، هو كشف رئيس الجمعية الجزائرية لأمراض وزراعة الكلى البروفيسور طاهر ريان عن وجود جمعية تطلق على نفسها اسم "الجمعية المسيحية للتبرع بالأعضاء"، وقال في إحدى المحاضرات التي ألقاها بهذا الخصوص، أن هذه الجمعية تعمل على جمع المتبرعين باعضائهم، وتوفيرها للمرضى المحتاجين إليها، إلا انه شدد على أن الأمر يتعلق بجانب أنساني وطبي بالدرجة الأولى، وبالتالي فانه لا ضرورة للإشارة إلى انتماءاتنا الدينية، ولا يهم إن كان المتبرع مسلما أم مسيحيا، مادام أن الغاية هي إنقاذ حياة إنسان مريض، مؤكدا أن الإسلام أيضا قد حث على التبرع بالأعضاء، ولا تتوفر معلومات كافية عن نشاط هذه الجمعية المسيحية، التي يبدو أنها تحاول العزف على وتر حساس جدا في الجزائر. القانون والدين مع التبرع بالأعضاء بشروط وتجدر الإشارة إلى أن القانون الحالي، وبانتظار التعديل القانوني للمواد التي تحكم عمليات التبرع بالأعضاء البشرية في الجزائر، يبيح عمليات التبرع وإنما في النطاق العائلي الضيق فقط، المحصور بين الأب والأم والإخوة فقط. ويشير المجلس الإسلامي الأعلى حول موضوع زراعة الأعضاء انه "فيما يخص المتبرع الحي وذلك في نقل الكلية، ونقل النخاع العظمي، فهذه الحالة لا تطرح أي مشكلة قانونية، ولكن تبقى دائما في إطار الأخلاق التي يجب مراعاتها مثل التمتع بجميع الصحة العقلية للإنسان المتبرع، ثم عدم المتاجرة بالأعضاء، ثم شرط التطوع بحيث لا يمارس عليه أي إكراه". وطبيا فان نزع الأعضاء من الجثث يتطلب تنظيما وإمكانيات وتجهيزات ضخمة، فعموم أعضاء المتوفي تبقى تعيش لنحو ساعتين إلى خمس ساعات بعد وفاة المخ، في صورة القلب الذي يواصل الخفقان لمدة زمنية معينة ما يسمح بتوصيل الدم للأعضاء الأخرى كالرئتين والكبد والبنكرياس، وهنا خلال المدة الزمنية القصيرة التي تلي توقف المخ عن العمل، حينها يمكن نزع الأعضاء البشرية المطلوبة من الجثة قبل أن تموت هي الأخرى.