بين إحياء السهرات والتمسك بالعادات والتقاليد أجواء مميزة تطبع الباهية في رمضان تنفرد عاصمة الغرب الجزائري الباهية وهران خلال هذا الشهر الفضيل بنكهة مميزة ربما هي انعكاس لروح أهلها المعروفين بالطيبة والحيوية والمرح أو هي واحدة أخرى من أسرار سحر أجمل مدن المغرب العربي المطلة على خليج البحر الأبيض المتوسط من أعالى جبال (المرجاجو) و(المداغ) ق م أضفى تزامن شهر رمضان لهذا العام مع موسم العطلة الصيفية جوا خاصا حيث تفضل عديد العائلات تناول وجبة الإفطار على شواطئ البحر هروبا من حرارة المدينة الخانقة نهارا ليتحول الأمر إلى ظاهرة لطيفة لم تشهدها المدينة من قبل إذ ترى طاولات الإفطار المزينة بالشموع المتناثرة على الشواطئ تنبعث منها روائح الأطباق الشهية المعروفة بها مطابخ الغرب الجزائري المستوحاة من ترسبات ثقافات كثيرة خلّفها وجود الأندلسيين والأتراك والفرنسيين في حقب مضت سهرات رمضانية رائعة أما السّهرات الرمضانية فيعشقها الوهرانيون في أجواء عائلية قلّ ما تسمح بها ظروف الحياة والمشاغل اليومية على مدار السنة وهو ما جاء على لسان السيدة (فاطمة يعقوب)- طالبة في جامعة (السوربون) بباريس قائلة: (إنه لا طعم لرمضان بعيدا عن الأهل والوطن لذا فهي تصر على قضائه كل سنة مع أهلها شأنها في ذلك شأن جل المغتربين). وأوضحت محدثتنا أن أهل (الباهية) لا زالوا متشبثين بكثير من العادات الحميدة التي تكاد تضيع في زحمة الحياة حيث أن العائلات تحرص على تبادل الزيارات بينها كل ليلة بعد الانتهاء من إقامة صلاة التراويح والتعبد ابتغاء اغتنام فضائل وخيرات الشهر الكريم فبينما يفضل البعض الاجتماع بالبيت يختار الكثيرون التوجه إلى قاعات الشاي العائلية لتناول مختلف العصائر والمثلجات ومن ثمة الاستمتاع بالتنزه في أكبر وأجمل شوارع المدينة حيث تقوم السلطات على مستوى الولاية بمنع حركة السيارات ليلا في كل من شارعي (العربي بن مهيدي) و(خميستي) ليتجول المواطنون بكل اطمئنان خلالهما طيلة ثلاثين يوما كما يتجه البعض الآخر إلى المسارح وقاعات الحفلات لحضور فعاليات البرامج الثقافية والفنية المسطّرة بالمناسبة غير أن شارع (واجهة البحر) الشهير في وهران يظل القبلة الرئيسية لسكان المدينة لأنه المكان الوحيد الذي يمكنك الوقوف فيه كمن يدير ظهره لفوضى المدينة ومشاكلها وصخبها فتتلقفك رحابة البحر بنسيمه العليل مساء الحريرة و المعقودة سيدتا المائدة الوهرانية يبدأ التحضير لاستقبال الشهر الفضيل في الباهية حسب ما شرحته لنا السيدة (عزيزة.س) (62 سنة) بحلول شهر شعبان حيث تقوم ربات البيوت بتنظيف المنازل أو صبغها وشراء أفرشة وأوانِ جديدة كما لو كن تحتفلن بقدوم ضيف عزيز وقبل أسبوع من حلول رمضان يتم اقتناء مختلف أنواع التوابل الطازجة ليتم تجفيفها وطحنها يدويا حتى تحتفظ بنكهتها القوية التي هي سرّ المذاق المميز لأطباق الغرب الجزائري (الحريرة) أو (الشوربة) كما يسمّيها معظم الجزائريين الطبق الرئيسي على مائدة رمضان في كل الدول العربية تقريبا تحضّر في وهران بطريقتين مختلفتين إما بالفرينة (القمح اللين) وهي الأصل في الحساء بهذه المنطقة تستعمل فيها عديد الخضر واللحم ومجموعة من التوابل الزنجبيل الكروية فلفل أسود بذور البسباس الزعفران تضاف إليها الفرينة لتكسبها تماسكا أكثر وإما بمطحون القمح وهو ما يسمى (التشيشة) تستعمل فيه ذات التوابل إلى جانب الطاجين الحلو وهو طبق مشكل من الفواكه المشمش الأجاص التفاح والبرقوق مطهوة مع قطع اللحم الصغيرة يتميز هذا الطبق بطعم القرفة ويزين بالمكسرات والجلجلان يقدم أول أيام رمضان تفاؤلا به وبنيّة أن تحلو باقي أيّامه أما المعقودة كطبق شهير بوهران فهي كعيكات البطاطس يضاف إليها البيض و(القصبر) ثم تحمر في الزيت كانت تقدم مع (الحريرة) كل أيام شهر رمضان إلا أنّها أصبحت تحضر بالتناوب مع (البوراك) (رقائق محشوة باللحم) وصفة جديدة تفضلها ربات البيوت العاملات لسهولة تحضيرها الأطباق الأخرى المقدمة على مائدة إفطار الوهرانيين في رمضان تتمثل في طبق الزيتون باللحم أو الدجاج تضاف إليه قطع الجزر (المحمر) وهو عبارة عن لحم أو دجاج محمر يقدم مع الخضر المسلوقة أما طبق السحور فهو ذاته الذي تحضره كل العائلات الجزائرية والمتمثل في (السفة) أو (الكسكسي) يزين بالزبيب والقرفة ويقدم مع اللبن أو الحليب الطازج الاحتفال بصوم الصغار لا يمر صيام الصّغار للمرّة الأولى مرور الكرام عند العائلات الوهرانية فهم يحظون باحتفال خاص حيث ترتدي الفتاة الصائمة لباسا تقليديا خاصا بمنطقة الغرب الجزائري يسمى (الشدّة) وتزين بسلاسل من الذهب والفضة تصفّ على صدر الثوب في شكل جميل وحين الإفطار يقدم لها كوبا من الحليب تتفاجأ حين تشربه بوجود خاتم من الذهب بداخله يقدمه لها والدها أو أحد أخوالها أو أعمامها تشجيعا لها وكذلك في حال صيام الولد للمرة الأولى إذ يقوم بارتداء عباءة وعمامة جديدة أو طربوش ثم يرافق والده إلى المسجد لأداء صلاة المغرب ولدى عودته يقدم له مبلغ من المال أو هدية يختارها والداه وبعد الإفطار تجتمع العائلة في حفلة خاصة يحضرها الجيران والأحباب يكون الصائم أو الصائمة محور الحديث فيها لتحسيس الطفل بقيمة الصبر الذي تحلى به طيلة اليوم وانقطاعه عن الأكل والشرب وتشجيعه للتعود على الصوم