بعد حادثة تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية بمصر، تواترت الدعوات الغربية لحماية مسيحيي الشرق الأوسط من "الاضطهاد الديني"، في الوقت الذي أشارت فيه تقارير صحفية إلى فتح الولاياتالمتحدة ذراعيها لاستقبال 1400 عائلة مسيحية عراقية مقيمة في لبنان ومنحهم حق اللجوء. ورأى خبراء عرب أن مثل هذه المؤشرات هي دفاع "غير برئ" عن مسيحيي الشرق الأوسط قد يضع الشرق والغرب في مواجهة دينية لا طائل منها، مذكرين بأن حديث "اضطهاد مسيحيي الشرق" الذي يتجدد اليوم في الغرب كان بالأمس الذريعة الرئيسية للحروب الصليبية على المشرق العربي أو "الشرارة" التي أشعلتها، مستشهدين بالحديث المتشابه في هذا الصدد بين بابا الفاتيكان الحالي والبابا في عهد الحروب الصليبية قبل نحو 900 عام. وفي تصريح قبل يومين، قال المطران ميشال قصارجي، رئيس الطائفة الكلدانية في لبنان، أن "1400 عائلة مسيحية من العراق دخلت لبنان، هرباً من جحيم أوطانهم"، كاشفا عن "رغبة معظم المسيحيين العراقيين الموجودين بلبنان في الهجرة إلى الولاياتالمتحدة في القريب العاجل". ويأتي ذلك في ظل تزايد هجرة عدد ليس بالقليل من العائلات المسيحية في بعض من دول الشرق الأوسط إلى الولاياتالمتحدة طلبا للجوء، تحت دعاوي مختلفة مثل حدوث هجمات إرهابية منظمة ضدهم في العراق، أو تضييق الخناق علي المسيحيين في غزة بعد سيطرة حماس، أو اضطهادهم واستهدافهم في مصر وخاصة بعد الهجوم على كنيسة القديسين بالإسكندرية في مطلع العام الجديد 2011. وتأتي العراق على رأس دول الشرق الأوسط التي يهاجر مسيحيوها تاركين البلاد، سواء بطريقة شرعية أو غير شرعية، راغبين في الاستقرار في أوروبا أو الولاياتالمتحدة. وارتفع أعداد المسيحيين العراقيين المهاجرين بشكل لافت بعد الهجوم الذي استهدف كنيسة "سيدة النجاة" في العاصمة العراقية بغداد في 31 اكتوبر الماضي، وأسفر عن مقتل عشرات المسيحيين، وأعقبه عدد من الهجمات التي استهدفت المسيحيين في بغداد والموصل. ووفقا للمكتب الإعلامي في مفوضية الأممالمتحدة في بيروت، فإن عدد العراقيين المسيحيين الطالبين للجوء إلى لبنان – التي تعتبر منصة لهجرة مسيحي العراق إلى أوروبا والولاياتالمتحدة- بلغ 3400 في 2010". وتوالت في الغرب دعوات حماية مسيحيي الشرق من "الاضطهاد" والتدخل من أجل حمايتهم، الأسبوع الماضي من بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر، ومن وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني؛ الذي دعا إلى ربط المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي إلى بعض الدول بتحسن أوضاع الأقليات المسيحية بها، ثم من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي تحدث عن "مخطط تطهير ديني" لمسيحيي الشرق. عودة الشرارة وذهب عدد من الخبراء العرب إلى أن حديث الاضطهاد الممنهج لمسيحيي الشرق يعيد إلى الأذهان شرارة الحروب الصليبية التي بدأت بدعاوى حماية المسيحيين العرب. فمن جانبه، اعتبر الكاتب الفلسطيني نقولا ناصر في مقاله المنشور على موقع شبكة "أمين"، أن "الدعوة التي كرر البابا بندكيت السادس عشر توجيهها إلى قادة العالم و"مسؤولي الأمم" من أجل "الدفاع عن المسيحيين من الانتهاكات وعدم التسامح الديني" في الدول العربية معتبرا الدفاع عنهم "مهمة شاقة لا تكفي من أجلها الأقوال"، هي "دفاع غير برئ"، ودعوة ترقى إلى دعوة للتدخل الأجنبي بالأفعال في وطن عربي تضيق المساحة التي لا يوجد فيها تدخل أجنبي فعلا". ولفت نقولا إلى وجود مفارقة تاريخية في الدعوة التي أطلقها بابا الفاتيكان، مع دعوة البابا أوربان الثاني، في خطابه الذي أطلقه في عام 1095 في كليرومونت بفرنسا ، إلى "تحرير القبر المقدس" في القدس و"تحرير مسيحيي الشرق الرازحين تحت طغيان المسلمين، والتي كانت شرارة الحروب الصليبية". وعبر الكاتب محمد حمدي في مقال له في صحيفة روز اليوسف، عن مخاوفه من "حدوث مواجهة دينية بين الشرق والغرب تعيد إلى الأذهان أجواء مطلع القرن الحادي عشر حينما أطلق البابا أوربان الثاني دعوته لحماية المقدسات المسيحية في الشرق فاندلعت الحروب الصليبية واستمرت حتى القرن الثالث عشر وأزهقت أرواح ملايين البشر، ثم اتضح بعد ذلك أنها محاولة للتغطية على فساد الكنيسة في تلك الفترة". ويوضح حمدي أن انسياق الغرب وراء دعوات "غير مسؤولة " عن حماية مسيحيي الشرق، وخاصة تصريحات الفاتيكان، أصبحت أكثر اتساعا ووضوحا بشكل كبير عقب الحادث الإرهابي الذي تعرض له مصلون خارج كنيسة بالإسكندرية ليلة العام الجديد، معتبر أن ذلك هو"مخطط لتحويل دعوة الفاتيكان إلى عمل سياسي كبير تنهض به أوروبا وأمريكا". ويتفق معه في الرأي، الكاتبُ الصحفي أيوب سالم عالية، حيث اعتبر، في مقاله له بحريدة الرأي الأردنية، "مثل تلك الدعوات الغربية لحماية مسيحي الشرق وتصاعدها في الآونة الأخيرة، هي خطوات على طريق حرب صليبية وخاصة بعد تصريحات بابا الفاتيكان". وتنبأ عالية بحدوث "تحرك دولي لحماية المسيحيين في الأقطار العربية، يتشكل عبر قرار دولي، يصبح من خلاله العالم الإسلامي والأقطار العربية في مواجهة مع العالم الغربي". وفي نفس السياق، أكد الكاتب وليد العبيدي، في صحيفة المثقف العراقية المستقلة، "أن الدعوات الغربية لحماية مسيحيي الشرق، هدفها خلق هوية مسيحية وأخرى إسلامية مع الزمن ضمن إطار البلد الواحد، والتي يمكن استخدامُها في الوقت المناسب كذريعة لدى الغرب للتدخل في شؤون دول الشرق الأوسط". * لفت نقولا إلى وجود مفارقة تاريخية في الدعوة التي أطلقها بابا الفاتيكان، مع دعوة البابا أوربان الثاني، في خطابه الذي أطلقه في عام 1095 في كليرومونت بفرنسا ، إلى "تحرير القبر المقدس" في القدس و"تحرير مسيحيي الشرق الرازحين تحت طغيان المسلمين، والتي كانت شرارة الحروب الصليبية". * تنبأ عالية بحدوث "تحرك دولي لحماية المسيحيين في الأقطار العربية، يتشكل عبر قرار دولي، يصبح من خلاله العالم الإسلامي والأقطار العربية في مواجهة مع العالم الغربي".