حنان قرقاش ليس جديدا إن قلنا أن معدل تأخر سن الزواج في الجزائر قد ارتفع إلى ما بعد الثلاثين سنة لدى الجنسين، وليس جديدا أيضا وجود حوالي 11 مليون فتاة بدون زواج، قرابة 5 ملايين منهن فوق سن ال35 سنة، وفق ما تشير إليه أرقام وإحصائيات المعهد الوطني للإحصاء بالجزائر. وافرز تأخر سن الزواج، منطقيا، تأخر سن الإنجاب، ما بات يهدد المجتمع الجزائري الذي اشتهر طويلا كمجتمع فتي يحصي أكثر من 75 بالمائة من تعداده السكاني من الشباب، بالهرم، وهو ما جعل الخبراء والمختصين يدقون ناقوس الخطر، مطالبين بمعالجة المشكلة من أساسها، ودراسة الأسباب والحلول الممكنة للقضاء على ظاهرتي تأخر سن الزواج والعزوف عنه نهائيا، لدى نسبة كبيرة من شبابنا، بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة كالبطالة ومشكل السكن وغيرها، مما تحرص الدولة على بذل مجهودات كبيرة وفعالة لأجل القضاء عليها وتحسين مستوى معيشة السكان، مما يفتح المجال أمام الشباب الجزائري لتكوين نفسه وفتح أسرة. الحديث هاهنا، ليس عن مشكلة العنوسة وتأخر سن الزواج أو مشكلة تهدد المجتمع الجزائري بالهرم والشيخوخة، وإنما عن مشكلة تأخر الإنجاب إلى ما بعد سن الأربعين وما قد يشكله من خطورة كبيرة على المرأة، سواء بالنسبة للسيدة التي تحمل للمرة الأولى، لاسيما وان كثيرات قد يتزوجن في أواسط أو أواخر الثلاثينيات وبداية الأربعينيات ومن الطبيعي جدا أن يحلمن بإنجاب أطفال يملؤون عليهن حياتهن، أو للتي سبق لها وان أنجبت من قبل، ورغم انه كثيرات قد أنجبن أطفالا طبيعيين وسليمين وهن على مشارف سن الأربعين أو بعده بسنوات، إلا أن ذلك لا ينفي وجود عدد من المخاطر التي تهدد صحة المرأة والجنين معا، وهو ما يدفع الأطباء المختصين إلى تنبيه السيدات بشدة إلى مخاطر الحمل في هذه السن، من جهة، ومطالبتهن بكثير من الحيطة والحذر إلى غاية مرور فترة الحمل والولادة بسلام، حيث يطالبهن أطباؤهن بالبقاء تحت المتابعة الطبية المستمرة لخطورة حالتهن. وحسب مختصة في طب النساء والتوليد فان الحمل بعد الأربعين خطر لأسباب متعددة، أبرزها خصوصية هذه المرحلة الحرجة في حياة المرأة عمومًا، وإصابة المُنجِبات في الأربعينات بالقلق الشديد وتضاؤل ساعات النوم، وهو ما يؤثر سلبًا على نمو الأجنة ويسبب لهم تشوهات جسدية واضطراب في خلايا التكوين، ناهيك عن شبح التخلف العقلي، ولاسيما في حال تعاطي الحامل لعقاقير أو إصابتها بأمراض الحمل الفيروسية، بما يضاعف من إمكانية مفارقة الحياة بعد فترة وجيزة من الولادة، فضلا عن ارتفاع نسب ولادة أطفال غير طبيعيين قد يموتون هم أيضا. هذا إضافة إلى حدوث الكثير من حالات الإجهاض لعدم وجود المناخ المناسب صحياً ونفسياً لاستمرار الحمل، المهدد من جهة أخرى بالولادة قبل الأوان،إضافة إلى زيادة نسبة التشوهات الخلقية كتشوهات القلب وصماماته أو إصابة الجهاز العصبي مما يؤثر على ذكاء الطفل وقدراته وتزيد بصورة عامة ظاهرة التأخير في النمو الجسماني والعقلي. وتشير كثير من الدراسات إلى أن الحمل يشكل عادة فترة حرجة بالنسبة لجميع أعضاء الجسم حيث تزيد معدلات عملها لسد حاجات ومتطلبات الأم والجنين، فإذا ما حدث الحمل بعد سن الأربعين فإن معدلات عمل الأعضاء المختلفة كالجهاز الهضمي والكبد والكليتين والقلب لن تفي بمتطلبات الأم والجنين معا نظرا للضعف النسبي لعمل هذه الأجهزة في هذه السن، أما إذا كانت الأم مصابة بأحد الأمراض المزمنة كالسكري أو القلب أو الضغط فإن الحمل يؤدي إلى تفاقم مشاكل الحمل والولادة كما يزيد من احتمال إصابة المرأة بتسمم الحمل مما يؤدي إلى ولادة الجنين قبل الأوان. وعند الولادة قد تظهر بعض المشاكل مثل تعسر الولادة واللجوء إلى عملية قيصرية أو غيرها، ومع ذلك فان المتابعة الطبية والدقيقة لفترة الحمل بالنسبة للسيدات اللواتي هن في الأربعينيات من العمر، بإمكانها أن تبعد عنهن شبح المخاطر السالفة الذكر. وإجمالا، تقدر نسبة الإنجاب في الجزائر ب2.27 طفل لكل امرأة، بينما يبلغ معدل سن الأمومة 31.2 عامًا، وكشف التحقيق ذاته أنّ ذروة الإنجاب تتواجد لدى الحوامل بين 30 و34 عاما، في حين مستوى الإنجاب ضعيف جدا لدى النساء اللواتي تفوق أعمارهن 45 عاما، وهو ما يمثل نسبة 0.2 في المئة.