بعيدا عن البيان الذي صدر بعد اللقاء الذي عقده نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان مع عدد من ممثلى القوى المعارضة والأحزاب السياسية، وأكد على إجراء تعديلات دستورية وتشريعية دون تنحي الرئيس مبارك، كان المشهد في ميدان التحرير مختلفا في ما أطلق عليه الشباب المتظاهرون والمعتصمون "أسبوع الصمود". لم يهتم المتظاهرون بما أصدره المتفاوضون جميعا، وباشروا أحداث يومهم الذي حفل بأحداث كثيرة، بدأوها ب"قداس الأحد"، ثم "صلاة الغائب" على شهداء الحرية، وبطابور البطاطين التي دخلت الميدان لمساندة المتظاهرين، وانتهت بأول عقد قران لشاب وفتاة فضلوا أن تكون جموع المتظاهرين شهودا على زواجهما. فاليوم هو "أُحُد الشهداء" مثلما أطلق عليه المتظاهرون وفاءً لروح الشهداء الذين قضوا على أيدي البلطجية المحسوبين على الحزب الوطني الحاكم والأمن المركزي، منذ بداية الاحتجاجات الثلاثاء 25 يناير، وبالتالي كان من الطبيعي أن يكون الشهداء وصورهم هم نجوم اليوم. ابني مات فداء للوطن "يا شهيد ارتاح ارتاح.. وإحنا نكمل الكفاح" بعد هذا الهتاف قدم مذيع إذاعة الميدان، أم أحد الشهداء التي لم تتمالك نفسها من البكاء، ومن وسط الدموع قالت: "ابني مات فداءً للوطن وأنا فخورة به". وتحدث والد أحد الشهداء قائلا إنه سعيد بهذا الشباب وأنه اكتشف أن لديه آلاف الأبناء تعويضا عن ابنه الشهيد، ثم دعا لابنه وللشهداء ولمصر وأمَّن وراءه المتظاهرون جميعا في مشهد أغرق العيون. وكلما دخل المفكر الإسلامي، محمد سليم العوا، للميدان التف حوله مئات المتظاهرين طالبين رأيه فيما يحدث، وألقى خطبة حماسية قصيرة قال فيها: "أيها المصريون الكرام الصامدون في هذا الميدان.. أيها الأبطال.. أحييكم تحية الثوار.. تحية الصامدين للصامدين.. النصر للثورة.. أدعو المتظاهرين لأن يظلوا في الميدان حتى تنالوا حقوقكم وتحققوا أهدافكم". ومع استمرار الثورة بدا أن السؤال هو كيف يقضي المتظاهرون أيامهم التي يبدو أنها ستطول، وأغلبهم لم يقبض راتبه أو يستطيع إكمال عمله بعد أن توقفت الحياة في مصر منذ 25 يناير؟ الحاج مجدي، فلاح جاء من الفيوم، قال: "نأكل أي شئ.. فول.. طعمية.. جبنة.. حلاوة.. أي شيىء موجود.. لا أحد يفكر ماذا يأكل.. كل الذي يهمنا هو أن يرحل مبارك". محمد مرسي، محاسب جاء يوم "ثلاثاء الغضب"1 فبراير من مدينة المنيا بصعيد مصر، ليشارك المتظاهرين مطالبهم، قال: "في جيبي 75 جنيها.. ولدي 3 أولاد تركت لهم في المنزل 30 جنيها.. أحاول أن أحافظ على نقودي إلى آخر نفس.. لكن التضامن ظهر منذ أول يوم الطعام يأتينا.. لكنه ليس كنتاكي (في إشارة إلى ما تردد عن توزيع وجبات على المتظاهرين وحصولهم على نقود مقابل بقائهم في الميدان). زملاء الخيمة كان هناك زملاء زنزانة وزملاء دراسة.. لكن في ميدان التحرير ظهر نوعٌ آخر من الزمالة "زملاء الخيمة". الحاج فتحي، والأستاذ محمود، ومجموعة أخرى تعرفوا على بعضهم للمرة الأولى في ميدان التحرير، عندما نصب الحاج فتحي خيمته في إحدى الحدائق الموجودة بالميدان، ودعا الآخرين للمكوث فيها معه بالليل. فتحي قال: "نتقاسم مصيرنا الآن.. كلنا أصبحنا واحدا.. الخبز والطعام والمياه نتقاسمها.. همنا واحد وهو مصر.. لا مصالح لنا شخصية.. كل ما في الأمر نريد بلدنا التي ضاعت منا". أم مؤمن، إحدى السيدات التي افترشت الأرض، سألناها ماذا تفعل وهي تبيت ليلها في الميدان، فقالت "انظر وراءك"، عندها شاهدت طابورا من الشباب وهم يحملون المئات من البطانيات لتوزيعها على المتظاهرين. المتظاهرون وغالبيتهم من السيدات اللاتي لا يقضين ليلتهم في الميدان، كانت مهمتهم الرئيسية هي إحضار الطعام للمتظاهرين الموجودين، عشرات الأرغفة وعشرات الأطباق من البيض المسلوق، وعلب الجبن بأنواعها المختلفة، وأكياس من الكشري أعدوها في منازلهن، ليوزعوها في الميدان. أول عرس الشاب أحمد سعفان، طبيب الأمراض النفسية في مستشفى العباسية، والفتاة هي علا مسؤولة بإحدى الجمعيات الخيرية، قررا أن يعقدا قرانهما وسط آلاف المتظاهرين في ميدان التحرير، وعلى أنغام الأغاني الوطنية. سعفان، الذي كان يرتدي "تي شرت" عاديا وسروال جينز مثله مثل أغلبية الشباب كان يريد أن يرتدي ملابس العرس مثله مثل كل العرسان لكنه قال إنه اختار ميدان التحرير لعقد قرانه، بعد أن قضى به أكثر من عشرة أيام معتصماً، ومطالبا برحيل مبارك. علا، التي كانت أيضا ترتدي ملابس عادية مثلما تخرج للعمل قالت إنها لم تجد أفضل من المصريين المعتصمين فى ميدان التحرير، لتدعوهم إلى عقد قرانها، وليشاركوها فرحتها بعرسها.