ها هي المرأة تحتفل بالثامن من مارس، او تسميه عيدا لها، بعد قرن وسنتين من خروج عاملات النسيج في نيويورك للاحتجاج على الأوضاع التي كنّ يحيينها، فملأن الشوارع حاملات قطعاً من الخبز اليابس، وبعض الورود، مرددات شعار "خبز وورود" ومطالبات بتخفيض ساعات العمل، ومنح النساء حق الاقتراع، قبل أن يتحوّل الثامن من مارس إلى يوم للمرأة، ليس في أمريكا فقط، ولكن في العالم كله. لكن هل كان هذا الثمن من مارس فعلا شهادة ميلاد ثانية للمرأة في العالم، وهل صحيح أنه التاريخ الأوّل لتحررها، أم هناك تواريخ أخرى للمرأة أهمّ من هذا التاريخ؟ وبعد كل هذه الخطوات التي خطتها هل هي أسعد منها بالأمس، وأكثر تحررا؟ لم اطرح هذه الأسئلة لأجيب عنها، لأنهم يقولون، أو لأنهنّ يقلن أنّ الرجل لا يمكن أن يفهم المرأة، أو لا يمكن أن يتحدث عن القضايا التي تتعلق بها أكثر منها هي، ولهذا لن أكون متطفلا على هذا العالم الذي خلقته المرأة لنفسها، وأغلقت أبوابه كلها، ورمت مفاتيحه، أو أضاعت مفاتيحه، وراحت تبحث عن ما سمته تحررها، وابتعدت عن كل الشرائع الدينية والعادات البشرية، التي صارت تراها أدوات صنعها الرجل ليقيدها بها، لا لشيء آخر. بعدما كانت المرأة أسيرة لبعض الظواهر التي يدينها الجميع، أي الرجل والمرأة، صارت اليوم جسدا، حاولت أن تحرر نفسها، فحررت جسدها، وبعد أن كانت رمزا للشرف، وهذا لا يمكن أن تنكره أية امرأة، صارت رمزا للعار، أو تكاد. لم أتحدث عن كلّ النساء لأنني تذكرت أنّ في البلاد الإسلامية، ورغم العولمة، لا تزال هناك نساء مسلمات، يمثلن الشرف والعفاف، ويتمسكن بالدين... آه، هذا الدين الذي روّج له الغربيون على أنه عدو المرأة الأوّل، خاصّة الدين الإسلامي، الذي تحوّل إلى "أداة اضطهاد" وحاول أعداء الأمة، أن يقنعوا المرأة المسلمة أنّ مفتاح تحررها من "العبودية"، هو تخليها عن دينها، فاتبعت "كاملة العقل والدين" ما قيل لها، فحفظت مصطلحات قد لا تعرف حتى معانيها، وصارت تنادي ليل نهار، بالمساواة والتحرر وهي لا عرف لهذه الكلمات معاني. أما في الجزائر، فلم تشتكِ المرأة يوما من الأيام ظلما، او قبل أن يخرج الاستعمار بوسائله التقليدية، كانت المرأة تعاني ما يعانيه الرجل، وتقف إلى جانبه في السراء والضراء، ويقف هو ذلك إلى جانبها، كانت هناك ظواهر بائسة تعاني منها المرأة، لكن كفاحها كان كفاح أمّة، ولم يعد كذلك. خطوات المرأة الجزائرية في سبيل تحررها كان حقا يراد به باطل، فالحركات التي تسمي نفسها تحررية، لم تكن إلاّ أداة، عن قصد وعن غير قصد، لترويج الأفكار الغربية بين نسائنا، لهذا فإن المرأة، وان كانت تعتبر هذا العيد عيدها، عليها أن تراجع فيه حساباتها، وتعود امرأة، بكلّ أنوثتها وقوتها، بعد أن تحولت، او حولها البعض إلى مجرد جسد.